ولها ناسها الذين يمكن أن يقرمشوا كمثلي، قبل الفطور! بدعوى أن من هم مثلي لا يعرفون قيمتها الجغرافية والتأريخية والثقافية والرياضية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والأمنية...الخ، لكن قبل أكلي يجب أن أقول إن مشواراً لسوق أم درمان - سيد الأسم - يمكن أن يكلفّك حياتك تماماً..! أو كل مالك.. ففي تمام الأزقة الضيقة في أصلها الهندسي، يستعرض المشرّدون عضلات بربريتهم بلا مبالاة وتحدٍ عاليين، يعترضون طريقك مبرزين القطع البالية على أفواههم فقط وأحياناً (مطوة) صغيرة، ترغمك محافظاً على حياتك أن تسلمهم ما يريدون و(الجاتك في مالك سامحتك)..! والتسامح مع موضوع المشرّدين بالوعي المجتمعي العالي بأنهم أفراد منه، لهم ذات الحقوق والواجبات، شيء غير وارد أبداً حسناً ما يتبقى من وجبتي ستتناوله منظمات المجتمع المدني بالهضم! - ما دام الأمر تحول إلى مهدد أمني خطير. ورغم تصريحات إدارة الجنايات بولاية الخرطوم، بأنها مع الإخوة في وزارة الرعاية الاجتماعية تبذل قصارى جهدها لجمع (المتشردين) في دور الرعاية والهداية، لكن الواقع الملقي على قارعة الحقيقة واليومي، بلا توجيهات وتصريحات وتحسينات، يحلل بصدق قصر النظر والرعاية للمواطنين، مشرّدين كانوا أم منتظمين أسرياً! سرياً يشاع أن القضية الشهيرة للمشردين ضحايا (السلسيون) التي تناولها الإعلام بشكل يوضح التقصير الأمني والإنساني والأجتماعي تجاههم كفئة، هي السبب المباشر في التساهل معهم حالياً بشكل قلل من عمليات جمعهم من الأسواق والخيران والأزقة، وهي كتجمعات، حيث لا يمكن وصفها بالظاهرة لأنها أصبحت ملمحاً من ملامح العاصمة، تقل في مدينتين فيها إلى حدٍ ما، الخرطوم وبحري، وترتفع بشكل ملحوظ في بعض شوارع أحياء أم درمان: الركابية والبوستة والعرضة، ولا شك شوارع وأزقة السوق. يسوقون العوج باستهتار بالغ وممارسات فاضحة تجعل الرجال يستحون منها..! بأنهم كمشردين غير مسؤولين وغير ملزمين قانونياً بما يفعلون.. يقعون تحت طائلة غياب الوعي الذي مهما بلغت جريمته فعقوبته نظراً لوضعه العقلي أثناء وقوع الجريمة مخففة.. ناهيك عن الإحساس العام بأنهم (مساكين) والنظرة المشفقة عليهم بلا ترتيب للحقوق والواجبات، تترتب على تلك الشفقة الإنسانية بلاوي تنتهي بفقدان حياة للطرفين.. المشفق والمشفق عليه. كيف تتفق الشفقة مع شخص يهدد بالسكين لينهب مالاً فيأكل به؟ كيف نشفق على شابة مشرّدة تستلقى نصف عارية على الطريق وتبث فاحش الكلمات على من يتجرأ بنظرة مزرية إليها؟ كيف نشفق كمجتمع على فئة لا تشفق على نفسها باحترام إنسانيتها..؟ مع العلم أن درجة الوعي لديهم تؤهلهم لمعرفة محتوى الحقيبة من شكل صاحبتها..! وتصحبك الهواجس والظنون في شوارع أم درمان وأسواقها، تخيفك أي حركة خلفك، تختار أن تحتك بسيارة أفضل من أن تمر آمناً بالقرب من مصطبة يحتلها المشردون، ترافقك السذاجة وأنت تحاول أن توازن بين جلوس ظرفائها ومحافظيها وحكمائها وساستها ومؤرخيها ومستهلكيها، على كراسي النوادي الوثيرة، يشربون الشاي بنكهة نعناع أغاني الحقيبة و(حبهان) دار الإذاعة، وحليب المزارع النيلية..! وبين الخوف والجهل والقاذورات على طول شوارعها الرئيسة وأزقتها الموحشة ومتوحشة.. وبين ان تكون كما الأغنية (أم در يا حبيبة يا غنا يا قصيد.. ناس مليانة طيبة وقلوب مليانة ريد) أو تراها على حقيقتها الواقعة (أم در يا عجيبة، يا غنا، يا كورة..! ناس مليانة بطينها وشوارع عمرانة خوف)..! أو شوارع مليانة ريد أيضاً..!! وكامل تقديري لذوقه الشعري الجميل شاعر الأغنية (محمد حسن القاسم - ديكور).