وصلت الي يدي رواية الكاتب كامل التوم من الله ولقد شدتني الرواية المتشابكة التي تشدك حتي العمق لمواصلة القراءة .. فتقلبت من خلال «فلاشات باكه» التي سجنت داخل اطاراتها بانوراما سياسية، أجتماعية تتجاذبها خواطر عري لنا فيها فئات مختلفة من مجتعنا السوداني فصرت الهث خلفه بين طفولته و النضوج. الرواية مكتظة بين خواطر اللاوعي و الادراك بين روح هائمة في حياة لم احس بأن الراوي قد نهل من ملذاتها الكتير. فصار يبحث عن نفسه بين طرقات ام درمان المتربة المكتظة بالاجساد التي يفوح منها عطر الشمس المتغلغل بين الروح و مسام الجسد هائماً بين شرقها وغربها شمالهاُ وجنوبهاُ.. وهب نفسه للساكنين علي حافة إطار الصورة من الخارجين علي تقليد المجتمع لدرجة انه شبه نفسه بالشمس التي تحتضن بدفئها الجميع لا فرق عندها بين الفقير والغني فالكل عندها سواء. اصبح وسيط للشمس عند البشر ينقل دفئها اليهم. نقل لنا كامل التوم من الله صور المجتمع السوداني بالوان طيفه رجالاً كضابط الجيش ووالد «علي» تلميذ استاذ خالد و نساء كزوجة خالد (أم محمود) اللائي يدفعن ازواجهن الي حافة الجنون والصراع النفسي و الي احضان الآخري رويداً رويداً ببلاهة دون الاحساس و التكهن بدنو الكارثة الوشيك. رسالة اخري موجهة الي معلمي بلادنا عن كيف علي المعلم ان ينصهر فى بوتقة الطالب و التغلغل في حيثيات حياته الدقيقة و كيف ان الاستاذ غو بالفعل المربي والاب الآخر. ورسالة اخري لنا نحن القابعين فوق سطح المدينة للتكرم والنزول الي قاع المدينة ورؤية أؤلئك الذين يسكتون أوار جوعهم علي ما تجود به براميل القمامة و يفترشون الارض ويلتحفون السماء.. تلك الفئة التي ننظر اليها شذراً في حين ان بعض ضعاف النفوس ولا اقصد الجميع هنا من يمتلكون اسواقنا هم من يبذرون بذرة أؤلئك القابعين تحت سطح المدن وبين المجاري و القمامة. نري الراوي قد تغلغل و حاول مشاركة أولئك المنبوذين بالاكل معهم من البراميل والكوش ليعكس لهم كم هو متفاعل مع مشاكلهم و بأسهم و يأسهم. وكيف عكس لنا كبرياء هؤلاء المهمشين الذي لا نراه.. و عزة نفس لا نلمسها نحن المتباكين على حقوق الأنسان و الحيوان كشعارات على الورق فقط.. نمثل عطفنا عليهم بكسرة خبرة في يد و في اليد الآخري نحمل شراك الخبث و اللؤم. يحس بظلم قاطني حافة المدينة فنراه قد قضي اياماً يبحث عن «شقيفة» وكان يموت خوفاً عليها وهو لا يدري بأنها قد قتلت الخوف من تماسيح و غيلان السوق داخلها منذ أمد بعيد... خوفه تعد الجميع ووصل حتي انه خاف في لحظة ضعف علي شقيفة من نفسه.... لقد حاول مرارً تزيين صورة المشرد باطار من كساء جميل فأبي أولئك المشردين هباته مفضلين اسمالهم البالية علي كساء من نفاق... محاولين تعرية انفسهم تعرية لمجتمع شاح بوجهه دوماً بعيداً عنهم ... مجتمع مترف متخم لا يحس بالجوعي والعرايا وهم يجوبون الشوارع امام اعينهم كل ساعات اليوم عاكسين صورهم علي زجاج سيارات المرفهين المظلله و واجهات محلاتهم المكيفة الهواء. ثم فجأة يكسر الراوي جدار الماسأة (بفلاش باك) لندخل الي حلبة النوبة و الدراويش و ندور وندور لننفض من ذاكرتنا و ذكرياتنا قاطني المجاري و الأزقة وندور بجنون درويش مع كابلي علي ضربات النوبة التي «تئن و ترن» و «يا ليل لييك جنُ محبوبك أوه و أن» كلها هروب لنلف وندورمبعثرين و نافضين كل ما يعكر صفو النفس و الهرب بعيداً عن الحقائق ثم ندندن طرباً بلا مبالاة أغنيات من الحقيبة. يخرجنا من النوية ليدخلنا الي داخل اطار الجسد و النفس المتنازعة القلقة بين المرافي و صحاري النفس التائهة ...ثم محاولته قلب طبلة أذنه للداخل ليسمع دواخل نفسه الموسوسة و الهائمة بين أم محمود و حضرة الناظر و سعادة الضابط من فوق سطح المدينة وبين شقيفه و سارة وبشري تحت سطح المدينة فصرنا نصعد ثم نهبط في رواية جمعت بين كل فئات المجتمع السوداني بين العسكر و الحرامية بين المتسولين والمحسنين وطريقة تفكير كل فئة منهم. يقول لنا: في هذا البلد المشمس ...الشمس تفعل والشيطان يفعل و ...... يفعل، و الأنسان بين هؤلاء و هولاء مجرد دمية بيد ادمية اخري تفعل به ما تشاء وهو قابع لا حول ولا قوة له. فبعد قراءتي لرواية من الله صار عندي هاجس و صرت انظر لهؤلاء بنظرة اخري هابطة من برجي العاجي مجردة نفسي من مبالاة لم اكن ادري انها تسكنني ... صرت كلما عبرت السوق تبحث عيناي بقلق ووجل عن وجه شقيفة و أبنها بشري و بنتها سارة الذين لم تلدهما. صرت أتسآل ما ذنب هؤلاء الا يخجل بعضهم من سيئاتهم و هي تمشي و تتهادي من امامهم كل يوم.. شكرا لك استاذي ان اضفت الي نفسي المهمومة بما حولي هماً آخر كلما رأيت وجهاً ملطخاً ببقايا فضلات المنعمين من مجتمعنا و كلما رايت بقايا اثمال تعري اكثر مما تستر من اجساد هؤلاء المحرومين... فما الحل يا تري هل في الأمكان نزع هؤلاء من حياة ترعرعوا فيها و ستاتي البقية حتماً اجيال تجرجر اجيال. أمني نفسي بملاقاة الاستاذ/ كامل التوم من الله وجها لوجهة لاقرأ رواية نفسه لاقلب واجول فيها معه داخل خلايا ذهنه لاشاركه السمع بدلا من أن يقلب هو طبلة أذنه للداخل ليسمع دواخله.. فشكراً كامل التوم من الله لا ستضافتي داخل مجتمعي الذي كنت أظن انني أعرف عنه الكثيييييييييييييييييييييييير.