د. إبراهيم محمد المبارك مجذوب - استشاري الباطنية والسكري والغدد الحج مناسبة عظيمة، فيه اجتماع لملايين البشر من مختلف الجنسيات والثقافات واللغات ومختلف الأعمار والمستويات التعليمية والاجتماعية والأحوال الصحية. هذه الملايين من البشر تتحرك في حيز مكاني وزماني ضيق في بيت الله الحرام، وبين المشاعر المقدسة، لأداء الشعائر والمناسك، في مناسبة فريدة لا نظير لها في العالم. واجتماع كهذا من البديهي ان يترتب عليه آثار وضغوط صحية علي الحجاج المرضي والأصحاء وعلي صحة البيئة.والسلطات الصحية بالمملكة العربية السعودية تقوم بعمل ضخم في توفير بيئة صحية وخدمات صحية وفيرة ومجانية في إنجاز هو إعجاز ما كان ليتم لولا لطف الله ثم قوة الإيمان وإرادة الخير المتوفرة لدى القائمين على خدمة الحجاج، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وحتى اصغر مسؤول. وقد أتاح لي عملي السابق بوزارة الصحة السعودية شرف العمل بمستشفيات مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة وداخل الحرمين الشريفين. وقد لاحظنا أن معظم أو جل ما يتعرض له الحاج في الحج يمكن تجنبه بقليل من التوعية الصحية والاستعداد الصحي لهذه المناسبة العظيمة. والاستعداد الصحي أخي الحاج يبدأ قبل الحج، ويكون بالمرور على طبيبك الخاص أو أي طبيب لأخذ تقرير عن حالتك الصحية والأمراض المزمنة التي تعاني منها والأدوية التي تستعملها، كما ينبغي أن تتعلم كيفية التعامل معها أثناء الحج، حيث تزداد الحركة، وقد تحتاج مثلا إلى جرعات أقل من أدوية السكري والضغط والدهون وجرعات أكبر من أدوية الربو والروماتيزم، كما أنه من الضروري أن تحمل معك أدويتك وأجهزة فحص السكر المنزلي والضغط. كما يلزم أخذ التطعيمات اللازمة كالتطعيم ضد الحمى الشوكية والكوليرا، وتحددها السلطات السعودية وتختلف من بلد لآخر. أما أثناء الحج فمن أكثر الأسباب التي تعرض الحاج للأمراض والإصابات الازدحام والتدافع في المشاعر وأماكن العبادة، وكذلك عدم المحافظة علي النظافة الشخصية ونظافة الأكل والشرب وعدم الاهتمام بالتغذية الجيدة وشرب السوائل الكافية أو الإفراط والتشهي في المأكولات خصوصاً المعروضة في الشوارع. كذلك من الأسباب المهمة إنهاك الجسد والمشي الكثير والتعرض لضربات الشمس، كذلك من الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم العوارض الصحية البسيطة عدم أخذ المشورة الطبية مبكراً.. والخدمات الصحية متوفرة في كل مكان في الحج، غير البعثات الصحية المرافقة، حيث توجد فرق صحية متحركة داخل الحرمين الشريفين ومراكز صحية ثابتة عند الأبواب الرئيسية للحرمين الشريفين وفي المشاعر المقدسة, وهنالك مستشفيات كثيرة بمنطقة مكةالمكرمة والمدينة المنورة مهيأة لتقديم أفضل الخدمات الصحية للحجاج مجاناً. كما توجد خدمة الهلال الأحمر السعودي بالاتصال بالرقم (998) لإخلاء أي مريض من أي مكان، كما أن رجال الأمن مستعدون للمساعدة في توجيه ونقل أي مريض إلى اقرب مركز خدمة طبية. { أهم أمراض الحجيج وفي هذه العجالة نوجز أهم الأمراض التي تصيب الحجاج, ويمكن تقسيمها إلى نوعين: المجموعة الأولى: هي مضاعفات الأمراض المزمنة في الحج، حيث أن كثيراً من الحجاج هم من كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة التي انتشرت بسبب تغير نمط الحياة الصحي كالسكري والضغط والكولسترول والربو والروماتيزم وزيادة الوزن, وتحدث المضاعفات بسبب إهمال ضبطها قبل الحج أو إهمال العلاج والتعرض للإنهاك أثناء الحج كما ذكرنا سابقا. المجموعة الثانية: هي مجموعة الأمراض التي تنتشر أثناء الحج. وأول هذه الأمراض ضربات الشمس والإنهاك الحراري Heat Stroke & Heat Exhaustion وتحدث بسبب التعرض للشمس فترات طويلة أو المشي لفترات طويلة في الحر. ويحدث في ضربات الشمس فشل كامل في جهاز ضبط الحرارة بالمخ فترتفع الحرارة إلى درجات عليا فوق ال 41 درجة مما يؤدي الى خلل شديد في وظائف المخ والاعضاء الرئيسية بالجسم وهبوط في الدورة الدموية. وعلاجها بإدخال الحالات المصابة الى مراكز ضربات الشمس الملحقة بالمستشفيات والمراكز الصحية، وهي بها غرف للتبريد التدريجي للجسم مع التحاليل الوريدية والعناية المكثفة, ورغم ذلك نسبة الوفيات فيها كبيرة, وأكثر الناس عرضة لضربات الشمس كبار السن والأطفال وذوي الأمراض المزمنة. أما الإنهاك الحراري Heat Exhausion ففيه يحدث ارتفاع للحرارة ولكن بدرجة أقل (38-39) مع فقدان سوائل وآلام في العضلات، والعلاج بمحاليل التروية والمحاليل الوريدية والمسكنات. والوقاية من ضربات الشمس والإنهاك الحراري تكون بالابتعاد عن الشمس والجو الحار قدر المستطاع واستخدام المظلات الشمسية البيضاء والملابس المريحة وشرب السوائل بكثرة وتجنب المشي في وقت الذروة. ومن الأمراض التي تنتشر في الحج الأنفلونزا ومضاعفاتها، وهي التهاب فيروسي حاد يصيب الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي والعلوي معاً، وتحدث العدوى عن طريق استنشاق الفيروس المتطاير مع عطاس أو سعال المصابين. وأعراض الأنفلونزا زيادة في الإفراز المخاطي من الأنف وإحتقان الأنف وآلام بالحلق وصداع وارتفاع لدرجة الحرارة وآلام بالجسم مع فقدان الشهية, والعلاج بالراحة والتغذية الجيدة والفايتمينات المناسبة والمسكنات ومعالجة الاعراض ومراجعة الطبيب لتقدير إذا كانت هناك حوجة لمضادات حيوية أو أي أدوية أخرى، والوقاية بالمحافظة على النظافة الشخصية باستمرار وتهوية أماكن السكن والنوم وتجنب الأماكن المزدحمة قدر الإمكان واستعمال المناشف وأدوات الشرب الخاصة بك, واستخدام الأكواب ذات الاستعمال الواحد والمتوفرة بكثرة في الحج مجانا, ولوقاية الآخرين على المصابين استعمال المناديل عند العطس والكح. أما استعمال الكمامات فليس له جدوى كبيرة وقد تكون الكمامات مرتعاً للجراثيم، وهنالك تطعيم للانفلونزا لكن يتغير سنوياً حسب نوع الفيروس المنتشر وهو يقلل من حدوث الإصابة وحدتها. ومن مضاعفات الانفلونزا الالتهابات الرئوية البكتيرية، وهناك أيضا تطعيم خاص بأكثر البكتيريا إصابة للرئة وهي البكتيريا المكورة الرئوية (نيموكوكس) ويعطى هذا التطعيم لكبار السن والذين لديهم قابلية أكثر كالمصابين بداء الانسداد الرئوي المزمن أو مرضى السكري والكلى. ومن الامراض التي تنتشر في الحج النزلات المعوية والإسهالات, وأعراضها اسهال متكرر وآلام بالبطن وارتفاع لدرجة الحرارة، وقد يحتوي البراز على مادة مخاطية أو دم، والعلاج بمسكنات الإسهال والمغص والألم والمضادات الحيوية وأملاح التروية والمحاليل الوريدية إذا لزمت الحالة، والوقاية بالنظافة الشخصية وغسل اليدين جيداً بالماء والصابون قبل وبعد الأكل وبعد التبرز، وغسل الخضار والفاكهة جيداً وحفظ الطعام جيداً وعدم شراء الطعام المباع في الطرق والمكشوف. ومن مشاكل الجهاز الهضمي التي تؤرق الحجاج الإمساك وسوء الهضم والغازات، وأفضل نصيحة نوجهها الى الحجاج الانتباه للأكل جيداً، فكلما كان الأكل بسيطا كان هضمه أفضل وإخراجه أسهل. واذكر هنا أن كثيراً من الحجاج يحرصون على تناول الزبادي فقط في أيام الحج، وأنا لست أنصح بأكل محدد، لكن على الكل مراجعة أكله ليعرف ما يتعبه ليتجنبه. وعموما الإكثار من السوائل والفواكه مفيد وتقليل كمية الأكل أيضا مفيد. ومن الأمراض التي تنتشر في الحج التسلخات الجلدية خصوصا بين الفخذين، وعلاجها باستعمال البدرة المانعة للاحتكاك وترطيب البشره بالفازلين وأحيانا تحتاج الى بعض المراهم المضادة للالتهاب، والوقاية بالاهتمام بالنظافة وترطيب البشرة والمشي بطريقة تمنع الاحتكاك. ومن الأمراض التي تنتشر في الحج التهابات الجلد والعيون, والوقاية الاهتمام بالنظافة الشخصية. ومن الأمراض الجلدية الحروق الحرارية التى قد تصيب الوجه والمناطق المكشوفة للشمس, والوقاية باستعمال المظلة الشمسية والمراهم الواقية من الشمس, وهناك أيضا الحروق التي تصيب أسفل القدم (البقاق) وهي تنتج من المشي في الحر بأحذية غير مناسبة. ومن الأمراض التي كانت شائعة في الحج الحمى الشوكية (السحائي) وانحسرت بفضل الله، وأعراضها ارتفاع لدرجة الحرارة وصداع شديد واستفراغ وتصلب بالرقبة والظهر، والعلاج بالمضادات الحيوية الوريدية بالمستشفى والوقاية بالتطعيم عشرة أيام على الأقل قبل وقت الحج وإعطاء المضادات الحيوية بالفم فترة يوم أو يومين للمخالطين للمصاب. وأخيرا وليس آخراً الإصابات، كالكدمات والكسور التي تنتشر في الحج بسبب التدافع والتزاحم وكثرة الحوادث. { نصائح مهمة للحجاج خلاصة الأمر أخي الحاج الاهتمام بصحتك هو زادك لحجتك ولتحقيق ذلك نعرض عليك النصائح التالية: - قبل الحج اعرض نفسك على طبيبك للتأكد من لياقتك الصحية وضبط أعراضك المزمنة وأخذ تقرير طبي وبطاقة طبية عن أمراضك المزمنة. - أخذ التطعيمات اللازمة قبل وقت كاف. - احمل حقيبة طبية بها أدويتك المستمرة زائد بعض المسكنات والمراهم وأدوية السعال التي قد تحتاجها. - احمل معك مظلة شمسية بيضاء لتقيك الحر وملابس مريحة. - أثناء الحج ابتعد عن الازدحام والتدافع قدر الامكان. - أخذ قسط وافر من الراحة بين الحين والآخر وعدم إنهاك جسدك. - عدم التعرض للشمس والحر فترات طويلة مع لبس احذية مناسبة. - الاهتمام بالتغذية والإكثار من السوائل والفواكه، وانتبه للطعام الذي تأكله وامتنع عن تناول الأطعمة المكشوفة والمباعة بالطرقات. - كن حذرا في الحلاقة وما تنقله من امراض. - التوجه لأقرب مركز صحي أو مستشفى وطلب المساعدة الطبية مبكراً عند حدوث أي طارئ. وهنا أود أن أذكر أن المرضى الذين يحدث لهم طارئ وينومون بالمستشفى ويدركهم يوم عرفة وهم بالمستشفيات تقوم إدارات المستشفيات بمكةالمكرمة بإيصالهم بسيارات الإسعاف ليدركوا الوقوف بعرفة ويعودوا إلى غرفهم بالمستشفى في مشهد مؤثر. وأذكر هنا أن الأطباء والممرضين العاملين في المستشفيات يتنافسون في مرافقتهم لشهود هذا الموقف العظيم والوقوف بعرفة. وفي الختام فإن الحج عبادة عظيمة فيها الأجر العظيم وفيها المنافع ومنها أيضا الفوائد الصحية والروحية، فالحج سياحة فيها ترويح للنفس وتجديد لطاقتها، وفيها استشعار لمعاني المساواة والرحمة بين المسلمين، وهذه المشاعر لها أثر عظيم في قوة النفس والجسد وفيها أيضا التعود على رياضة المشي وأثرها الإيجابي على الصحة الجسدية، الأمر الذي لا يخفى على أحد. ونتمنى للجميع حجاً مبروراً.