{ كحال جميع الأمهات، باتت تفزعني الجرائم الدخيلة على مجتمعنا والتى انتشرت مؤخراً بنسب متزايدة حتى أضحت هاجساً يؤرق مضجعي ويجعل عيني فى أم رأسي لا تكفان عن ملاحقة أبنائي وبناتي أينما ذهبوا حتى أصبح الأمر مزعجاً لهم ومرهقاً لأعصابي.. كيف لا ونحن قد فقدنا الثقة فى كل من حولنا لأسباب منطقية تباغتنا بها صفحات الحوادث كل صباح, مع بعض التفاصيل لحكايات يشيب لها الولدان ولا تجدي معها كل محاولاتنا لتكذيب الوقائع ودفن الرؤوس في الرمال والتشدق بعبارات الدفاع المستميت عن الشرف الباذخ والمروءة البائدة والالتزام التام بالدين الحنيف والتمتع بالأخلاق الحميدة. { كل هذا لم يعد يعنيني.. ولن أنبري مجدداً للرهان على مجتمعنا السوداني العفيف والمتسامح والذي لا أدري هل كان كذلك على أيامنا وتغير بفعل تصاريف الحياة العصرية أم أنه كان ضالاً من البداية ولكنه يلتفح ثوب الهدايى؟.. فقد بت فى شكٍ من أمري.. وإلا فهل يعقل أن يحدث كل هذا التردي الأخلاقي بين ليلةٍ وضحاها حتى بلغت بنا العجائب أن نتداول فى حياتنا اليومية وبصورة راتبة هذه المصطلحات المفزعة والمدهشة والبذيئة والتي تأتي على شاكلة (الزواج العرفي وغيره) ثم (مجهولي النسب) ثم (اغتصاب الأطفال) وأخيراً والعياذ بالله (زنا المحارم)؟! وقبل أن تهبوا فى وجهي مهدرين دمي تأكدوا أن حولكم لا توجد قصة من هذا النوع تماماً.. وتأكدوا أكثر من أضابير الشرطة وجهات الاختصاص وحتى صفحات الصحف، رغم أن المتداول في هذا الشأن قليلٌ جداً إذا ما قورن بالنسب الحقيقية لمثل هذه الحوادث فلماذا نصر على التكذيب والمداراة؟ّ وهل بإمكان إصبعنا أبداً أن يخفى سوءتنا؟.. لقد بلغنا مبلغاً بعيداً نتناقل أنباؤه داخل مجتمعاتنا الصغيرة من مصادره الموثوقة غير أننا نهمس بها على استحياء ونحن نتلفت من حولنا وكأنما التستر عليها يحل المشكلة. { أنا شخصياً أعرف العديد من حكايا الاغتصاب والتحرش الجنسي بالأطفال وحتى زنا المحارم الذى يأتي ضد الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية، لا يصدقه عقل ولا يستقيم له معنى أنى توجهت به ولا تجد من نفسك له سوى النفور والتقزز والرعب.. ورغم ذلك ليس أمامنا سوى أن نصدق أن هناك جاراً أو صاحب دكان أو حتى معلم مدرسة أو مدرب رياضة قد اغتصب طفلاً أو طفلة.. وقد يذهب الأمر إلى أبعد من هذا فيمضي الجاني فى قتل ضحيته ظناً منه أن ذلك يخفي معالم فعلته الدنيئة!.. ثم إنك قد لا تصدق - أو لا تريد أن تصدق ما دمت بشراً سوياً- أن هناك (أباً) يضاجع ابنته! أو (جداً) يواقع حفيدته! أو (عماً) يتحرش بابنة أخيه! ولا تقولوا لي إن تلك حالات فردية نادرة فالقاعدة العسكرية الذهبية تقول إن الشر يعم وربما لم يعد هناك خيرٌ لنخصصه! { إنني فى أفضل افتراضاتي أتمنى أن لا يكون ذلك الأب فعلياً والداً للضحية! حتى وإن أدى الأمر لاتهام الأم بخلط الأنساب وما يقود إليه، فذلك لعمري أخف وقعاً. ثم إني لأعجب لجهات الاختصاص القانونية والجنائية التيتكتم لديها ملفات القضايا وتقع على الجناة ثم تذهب بهم فى رحلة طويلة من جلسات المحاكم وتسمح لهم بتقديم (دفوعاتهم) و (دوافعهم) وتستغرق فى ذلك زمناً يجعل الحنق يقتات من دم الضحايا وذويهم وتموت الحكايات فوق الشفاه ثم تنطق بحكمٍ قد لا يتجاوز بضع سنوات بين جدران السجن! ويا وجعي ويا حسرتي على الأمهات والآباء الذين اغتيلت براءة أبنائهم وضاع مستقبلهم وربما فقدوا أرواحهم على أيدي هؤلاء الوحوش الآدميين ، ثم يكون القصاص الوحيد هو السجن ما لم يقدم أحدهم دليله القاطع على مرضه العقلي الذي يعفيه من مسؤولية تصرفاته. { سموني اليوم ما شئتم..، محرضة.. متطرفة... خارجة عن القانون.. وضد الأحكام القضائية إلا أننى أطالب بالإنابة عن كل الأمهات.. المقاتلات والصامتات على الوجع.. بإعدام كل من تسول له نفسه النيل من طفولة صغارنا ووأد أحلامهم الوردية فى ميدان عام وفوراً، ليكون عبرةً لغيره.. ولتنطفئ نار صدورنا.. قبل أن نستكين لإحساس الظلم والقهر ونفكر فعلياً فى القصاص. { تلويح: أتمنى لو عاد بإمكاني أن أترك أبنائي لشوارع الحي وأزقته وبيوته لتعينني على تربيتهم كما كان بدلاً من أن تقتلهم وتقتل معهم ثقتي في الآخرين.