لم يستطع العم عبد الله الانتظار أكثر في صالة الحج والعمرة بعد أن اتّسخت ملابسه من النوم أرضاً طيلة الأيام الماضية في انتظار تفويجه لأداء الفريضة، فقرّر طوع إرادته العزوف عن السفر والعودة إلى منزله، بعد أن يئس من إكمال حلمه وغاية أمانيه..!! الحجاج العالقون كانت تشي ملامحهم في تلك اللحظة بأنهم ليسوا في حاجة لنا، فشكواهم من ظلم العباد بين يدي ربّ العباد كما يروي بلسان الحال مقالهم.. سخط الدنيا كان يرتسم على محيا الكل، حاولنا أن نواسي الحاج عبد الله في مصابه - مصاب البلد - عندما تعجز الشركات والمؤسسات في الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطن لم يبخل بماله وقدّم كل ما من شأنه أن ييسر له أداء الشعيرة..!! ابتدرناه بالتحية، ثم استمعنا إليه: وهو يقول (أنا أجلس أرضاً لمدة ثلاثة وأربعة أيام بلا مأكل ولا مشرب، والمشكلة دي تكاملية).. لائحة الجهات التي يحمّلها الرجل المسؤولية تجاوزت (صن إير) الناقل المنوط به أن يحملهم للأراضي المقدسة، لتطال هيئة الحج والعمرة والطيران المدني والوكالات، يقول عبد الله: (كلهم تسببوا في خلق هذه الأزمة)، قبل أن يسترسل: تظاهرنا وتشاجرنا ووعدونا بالحل بدون فائدة.. معتمد محلية الخرطوم عبد الملك البرير وعدنا بحل الأزمة ووصول طائرات أخرى تتبع لسودانير، إلا أن (صن اير) رفضت ذلك لكي لا تلتزم برد كل التكاليف التي دفعت من قبل الحجاج..!! محدثنا، عاقداً ما بين حاجبيه وجبينه مقطب أكّد بأن جهات أخرى تتبع لمؤسسات كبرى تم تفويجها ونحن لا واسطة لدينا..!! قبل أن يفاجئنا بقراره؛ العودة إلى المنزل تاركاً الحج، مضيفاً: (قروشي الدفعتها خليتها)، مرسلاً التعازي لنفسه والسلوى لقلبه بالقول: إنما الأعمال بالنيات ولكل امرى ما نوى. { ملخص ما سبق: سيناريو التفويج أضحى أزمة تتكرر كل عام، و«أزمة حجاج بيت الله» صارت إحدى المحطات الراتبة التي لا بدّ أن يمر عبرها المغادرون إلى الديار المقدسة.. فعلى إثر عجز لازم رحلات شركة طيران (صن اير)، وتعثرها في التفويج، خرج حجاج من المنتظرين إلى الشارع متظاهرين بعد أن ظلوا أكثر من أربعة أيام بصالة الحج والعمرة بلا طعام أو شراب. بعضهم قرر العودة إلى منازلهم، وآثر البعض البقاء، على الأقل لمتابعة استلام أموالهم التي دفعوها ابتغاء مرضاة ربهم والتقرب إليه عبر هذه الشعيرة، بينما انشغل آخرون بتكسير أبواب الصالة والاشتباك مع أفراد الأمن على البوابات وكل هذا وذاك في انتظار الناقل الذي مارس الدلال وتمنع على منتظريه لعدة أيام. المواطن إدريس بشرى اعتبر أن أوجب واجبات صن إير الآن على الأقل أخلاقياً هي استضافة الحجاج في فندق وتوفير الوجبات لهم وفقاً للالتزام القائم بينهم وبينها. أما أحمد بشير من المجموعة المتحدة الذي التقته «الأهرام اليوم» في خضم الأحداث التي تدور بصالة الحج والعمرة هذه الأيام فبدأ حديثه قائلاً: حجاج القطاع السياحي تم تفويجهم على أحد الاثنين (سودانير) أو (صن اير)، والمشكلة الآن تتمثل في شركة (صن اير) التي عجزت عن تفويج الحجاج فتم تأجير طائرة «جامبو» إلا أنها تأخرت لعطل فني في المدينة، ويواصل: (العدد القطاع الخاص والمؤسسات كبير جداً، تم التعاقد مع أكثر من 4000 ألف حاج والطائرات الموجودة عدد ركابها بسيط، فالأولى عدد ركابها 166 والأخرى 146 راكب فقط..!! بشير يضيف أنه بعد الاحتجاجات والمظاهرات التي شهدتها صالة الحج والعمرة بالاضافة إلى خروجهم للتظاهر بشارع افريقيا حضر مدير الطيران المدني وأكد أنه بناءً على عجز صن اير فإنه سيتم الاتفاق مع شركات أخرى مثل (سودانير) وطلب من الوكالات الاتفاق مع «صن اير» لحل المشكلة، إلا أن الشركة رفضت التدخل الخارجي - بحسب قوله - والتزم المدير بتفويج عدد كبير من ست طائرات إلا أنه إلى الآن لم تفوج سوى طائرتين فقط علماً بأن يوم غد الاثنين آخر يوم..!! ومن جانبه أكد مدير وكالة سفر رفض ذكر اسمه أن اتحاد الوكالات وقف عاجزاً عن حل الأزمة مع شركة «صن اير» مبيناً أن الوضع أصبح خارج السيطرة الآن والحجاج مستعدين للخروج إلى الشارع والتظاهر مرة أخرى بعد أن قاموا بتكسير بعض البوابات داخل الصالة والاشتباك مع موظفي الأمن والدخول عنوة داخل الصالة التي تم منعهم من دخولها مشيراً إلى أن الأزمة ليست هنا فقط، وإنما تتمثل في اذن الهبوط بالمملكة، فحتى إذا توفرت كل الطائرات المطلوبة فإنّ المملكة لن تستقبلها دون تحديد زمني مسبق، وأخذ اذن بالهبوط..!! ويمضي محدثنا بالقول: نحن كوكالات سفر قمنا بترتيب أوضاعنا، حيث قمنا باستئجار الفنادق منذ ثلاثة أيام مضت وشركات الطعام ملتزمة بتقديم وجباتها للفنادق، وهي فارغة من الحجاج الذين رموا بالمسؤولية بأكملها علينا، حيث وقع الضرر علينا مادياً ومعنوياً، لأننا فقدنا ثقة الحجاج فينا كوكالات، كما فقدنا بدورنا الثقة في شركات الطيران السودانية بأكملها..!! ويواصل اذا قدّر أن يسافر هذا الكم الهائل في ظرف هذين اليومين فلن نسلم من تكرار نفس الأزمة في العودة..!! على صعيد آخر أكّد المدير العام لهيئة الجوازات أحمد عطا المنان للأهرام اليوم أنهم قاموا بتسليم الجوازات مؤشرة منذ منتصف شهر شوال مشيراً إلى أنهم شاركوا في اتمام التفويج لهذا العام بصورة فعالة جداً، حيث قاموا بتسهيل مهمة الحجاج في المطارات التي توجد بها تفويج مباشر وأكد أن المشكلة الحالية تتمثل في الشركة الناقلة فقط وليس في جوازات السفر.