الصراع في الوسط الفني أضحى عنواناً ثابتاً، وما تقدمه الصحف السيارة يعتبر جزءاً بسيطاً مما تطفح به الدواخل. الفنانون يتنازعون في سبيل أغنية ضاعت ملامحها، والشعراء تآكلت قوافيهم من جراء النزاعات، وفي المسرح وصل الأمر أن تشابكت ممثلتان معروفتان على خلف كواليس المسرح في مشهد عبثي أدواته «الشباشب» وغيرها من المواقف والأزمات التي لا حصر لها في إطار الغيرة الفنية والمنافسة غير الشريفة. ونموذج آخر لهذه الصراعات، الخلاف الدائر هذه الأيام بين الموسيقار بشير عباس والموسيقار يوسف الموصلي وشهد تدخلاً من الفنان الشعبي المثير للجدل كمال ترباس. أصل الحكاية أن بشير عباس له رأي سالب في تجربة يوسف الموصلي، والأخير رد عليه بقوة وقسوة وتصدى له كمال ترباس في ما يشبه التساؤل من يكون الموصلي حتى يرد على القامة اللحنية بشير عباس؟! وبغض النظر عمَّن هو المخطئ ومن المصيب، تبدو المعركة في غير معترك. فعلى كل الأطراف ضبط النفس والتحلي بالسلوك القويم وعدم الإساءة والتجريح. والمؤسف أن يستغل طرفا الصراع خلافهما لتصفية أشياء قديمة ونشر الغسيل الذي يسيء لهما كفنانين ومبدعين، ويقلل من مكانتهما في قلوب معجبيهما. فكل الوسط الفني والثقافي يعترف بالمخزون والمنتوج الإبداعي لترباس والموصلي ولكلاهما بصمته الخاصة في إيصال الأغاني والألحان للجمهور!! { ماذا دهى هذا الوسط الفني، وما أسباب ذلك الشرخ الذي حدث به وهو يُعرف بمجتمع النخبة؟! فأولى أن تقوم رسالته على التسامح والمحبة واخضاع المعالجة في جو ينعم بالاستقرار ويجعلنا نصافح بعضنا ونحن نبتسم طالما أن الموهبة لا يمكن سرقتها، والمحصلة هو القبول في عيون الجمهور الذي يستطيع أن يميِّز بين الغث والسمين. الفن لا يحتمل هذا التنازع المحموم لأنه يعتبر بمثابة قيمة تقوم على الفضيلة والجمال.. وإذا استمعنا إلى الجيل القديم والعتيق تجده دائماً يتحدث عن الجو الحميم والمحبة التي ترتبط ما بينهم وعن التيم الواحد والأسرة المترابطة، وهذا ما يجعل أعمالهم تموج بالإبداع والجمال.. عكس ما يحدث الآن الذي تحوَّل فيه الفن إلى قنبلة موقوتة ودائماً ما نسمع عن (شخصنة) القضايا وتصفية الحسابات. والصراع في سبيل اللاشيء يؤكد أن البراميل الفارغة تصنع ضجيجاً. وأن الإبداع كلما تقلَّص يصاحبه صراخ ومشاكل وهذا الأمر يُنذر بكارثة كبرى ربما تؤدي إلى الانهيار. إننا يجب أن نقف مع أنفسنا كثيراً لأن البحث عن الفراغ أسهل من صناعة التميز، ويجب علينا الجلوس مع بعض لنتفاكر كيف نعيد الزمن الجميل..