ملت هذه المرآة انعكاسك من عيني، ولازلت ألح عليها كي أجد صورتي فيها رغم حضورك الطاغي الذي يكتسح المكان كله. وأنا لم أغادر مكاني لأبحث عنك بين أسطر الموت ما دمت أجدك حياة تتسلل أعماق المرآة. ولم أتعود على أن أنام وفي جعبتي بعض ما لم أقله، ربما نشأت على كتمان آهاتي ومعاصرة أحزاني، وتعودت على السباحة في أمواج الدمع فألفتني شلالات الوجه الباكي، وأطلقت فكرتي سهم البوح في قلب الصمت القاتل، والتهمت الكتابة تعبيري مثلما التهمت بنت عتبة كبد سيد الشهداء! وقبل أن يكتمل عرس البهجة تخترق الأحزان مهجتي في غياب الفرح، تجئ جيوش من الوجع الكاسح لتغزو أفكاري فتجدني أقوى من هذا الغزو! ليس هذا فقط، إنما تجدني لما أزل أحتفظ بمخزون ابتسامة يكفي لقدوم رهط من الذين يحتاجون لابتسامتي في زمن الرهق والعناء! أجل إنني الآن أقوى.. أقوى بآلاف المرات! أقوى لأنك تمام البهجة في زمن غاص في عميق النقصان! ولأنك فرحتي التي أتحدى بها ابتلاءات المحن، وأباهي بها من تيقنت قبلاً أنهم يتقنون مثالية الفرح، حتى جئتني بأنموذج الفرح الفريد، فرحتك أجمل وأروع، لأنها تحمل معنى الصدق، وما أروع الابتسامة بعد الدموع! وأجمل لأنها أعمق من حزني وأشمل من صمتي وأوسع من مدى الجراحات التي ملكت ناصية إحساسي!! عذراً لأني لم ألتقيك بقلب مكتمل الحضور، لأني جئت والنزف يقتلع قدرتي على البقاء!! ولكنك أسرعت بتجفيف دمعي، ملأت مجرى الدماء حباً وعشقاً، وجئتك وأنا أمشي على استحياء، فإذا بك تسقي قافيتي من الدفء ما تشاء ولا تطالبني بأجر! فلماذا لا أمنحك العمر وداً؟ وهل أكتفي بذلك فقط وأنت من علمني أبدية النقاء؟! ولماذا لا أمنحك قلبي وأنت من أعاد صياغته ولقنه الأمل؟ ولماذا لا أمنحك مسكناً أنت من أسسته لي؟! إنها الدماء!! ولكن يا ترى حينما تعترك في احتوائك الكريات الحمر والبيض، أيتهما ستفوز بك؟!