تقف الأستاذة الممثلة نعمات حماد بخبرة عقود من الزمان وهي واثقة كل الثقة من مسيرتها التي تعتز بها وبما قدمته من خلالها، وهي مسلحة بتلك الخبرات التي خاضت فيها كل أنواع المعارك الثقافية والصحافية والفنية، التي طالت من خلالها قامتها المهنية وقوَّت من ساعدها بالفكر الذي عكسته بدقة، فكان شعارها العزيمة والإصرار الذي رسخت من خلاله حقائق السنوات الماضية، قدمت الكثير من الأعمال المسرحية والإذاعية والتلفزيونية المتفردة التي ظلت خالدة في الأذهان رغم ابتعادها وهجرتها واستقرارها بمدينة الضباب (لندن) التقيتها بعد عودتها مؤخراً للوطن في إجازة قصيرة فجاء حديثها شائقاً ومليئاً بخلاصة تجاربها في هذا المضمار مما أكسب الحوار روح الشفافية والعزيمة والصراحة والوضوح فكان حواراً حياً لأنه احتوى على المثير من الأسرار ورحلة العمر الطويلة الخاصة جداً والتي تنشر لأول مرة خصتنا بها والتي أجابت فيها على كل أسئلة السنين الحائرة في أذهان المعجبين تابعوه معنا:- { بصفتك أول امرأة ظهرتِ في شاشة التلفزيون كيف كان شعورك بهذا الحدث؟ - كان ذلك في عام 63 حيث ظهرت في تمثيلية اسمها (البداية) كتبها الراحل حسن عبد المجيد وأخرجها الراحل أحمد عاطف ومثَّل فيها بجانب الراحل إسماعيل خورشيد والسر أحمد قدور. والمدهش في الموضوع هو حبي الشديد للسينما وكنت في ذلك الوقت عايزة أمثل بأي طريقة، لذلك أتيت متمرسة ومتمردة في نفس الوقت على مجتمع كان بيفتكر شغل المرأة في المكتب عيب، في مثل هذه الظروف أنا ظهرت ليهم في المسرح غير ذلك كانوا بيفتكروا مشي المرأة في الشارع ساعات النهار صعب برضو ظهرت ليهم على شاشة السينما وكان في ناس زي ما بيقولو بينفذوا وبيعضدوا وبيرسخوا في مفهوم ركون المرأة في المنزل فأنا قاومت التاريخ البشري نفسه الذي يقول المرأة لو بقت فاس ما بتكسر الراس وده كلو نضال كبير . نضال مجتمع بأسره بكل عاداته وتقاليده ومفهومه الواسع للحياة العريضة وأنا أذكر بعض الذكريات الطريفة كنت في فترة من الفترات أقدم مسابقة رمضانية بعد نشرة الأخبار مباشرة التي كان يقدمها الأستاذ الراحل أحمد سليمان ضو البيت وكان بعد ظهوري في الشاشة يصطف الناس بعرباتهم أمام مبنى التلفزيون وكان هدفهم من هذه الجمهرة التأكد من حقيقة شخصيتي وأنا كنت لما أجي خارجة من المبنى في طريقي إلى المنزل اتفاجأ بهم يقولون لبعض (ياها ولا دي ما ياها بالله)؟! وطبعاً كنت بخجل وبرجع إلى أن يذهبوا حتى أخرج وفي إحدى المرات لاحظ الأستاذ البروفيسور علي شمو هذه الجمهرة الكبيرة وكانت مثار دهشة بالنسبة له فنادى الخفير وسأله الناس الكثيرة دي شنو وعايزين منو؟ فردّ عليه الخفير بأنهم عايزين يشوفو هل دي نعمات حماد التي ظهرت في الشاشة حقيقة ولا صورة ساكت. ودي بعتبرها ذكريات طريفة جداً في حياتي. { بمناسبة الذكريات نود أن تحكي لنا عن علاقتك بالفنان الطيب عبد الله؟ - طبعاً هذا الرجل قبل أن يكون زوجي كنا زملاء بالإذاعة والوسط الفني وهو رجل يحمل ملامح الأقاليم الطيبة وطهرها وما عايزة أقول المدينة فيها أشرار لا أبداً. والله المدينة فيها ناس كويسين ساعدوني في الاستمرار لأنهم لو ما كانوا غير ذلك لما وصلت إلى هذا الإنجاز المتواضع إلا أنني أعجبت بشخصيته لأنني شفت فيه قيم الأقاليم الجميلة وحب الأسرة إلى جانب أنه رجل صوته جميل جداً بالإضافة إلى حاجتين جذبتني إليه أولاً شخصيته، وثانياً مهنته كمعلم بتاع لغة عربية. وأنا بطبعي بحب اللغات بالإضافة إلى ذلك شاعريته يعني دي كلها كانت مفاتيح دخول وهي التي جعلتني انتبه له وأنا أصلاً كنت ذهبت إلى ألمانيا للدراسة وكنت ناوية أقعد هناك لكن الوالدة رفضت البيت وكانت بتقول لي أنا محتاجة ليك فلذلك طاوعت رغبتها. وأرجع بك يا أخي عبد الباقي عند حضوري من ألمانيا جيت ولقيت حاجة جديدة. فوجدت السودان كله يتحدث بحاجتين هما جكسا والطيب عبد الله. وأذكر الأستاذ الصحافي المخضرم شيخ النقاد ميرغني البكري هو الذي عرَّفني بالفنان الطيب عبد الله لأنه كان يعرفني منذ جريدة (الصباح الجديد) فعندما تعرفت عليه بقيت كل مرة أحضر الإذاعة يجي يسلم علي ويقيف معاي.. فشعرت أن هذا الرجل أعطاني شوية اهتمام وبعدين عرف يتونس معاي وفي شنو وأنا جذبتني الأشياء الجميلة العندو واللغة العربية التي يتمتع بها والاتزان والصوت الجميل كل هذه الأشياء تطورت فعرض علي الزواج وقبلت وقلت نحن الاثنين حنشتغل في الوسط الفني وهو حيساعدني ويرفع من شأني تعليماً والوسط الفني والسودان حيستفيد من هذا التعاون وبالذات من شخصين في مجال الدراما والموسيقى، العلاقة أثمرت عن شخصين مهمين جداً في حياتي هما الدكتور طارق والدكتورة الهام لأننا تزوجنا مبكرين أنا كنت صغيرة في السن وهو أيضاً كان صغير السن وأنا أعتقد أنه أخطأ في الاختيار لأنه اختار امرأة ما عايزة أقول قلقة أو مفكرة، بل محبة للتجديد في الحياة وترفض الثبات في مكان واحد وترفض الرتابة وقد يكون ذلك عيباً وهو كان يفترض يتزوج امرأة ما عندها قلق زيي وما عندها إحساس دائماً بأن هناك قضية وهناك خطر، لأنني اتربيت بأن هناك ثورة في الجزائر وده كان إحساس بيتنا وكانت هناك مشكلة جنوب إفريقيا عام 1963م وطبعاً الزعيم نيلسون مانديلا حضر السودان في ذلك التاريخ سراً والناس إلى الآن ما بيعرفوا هذا الكلام ونزل في فندق معروف وذهب بعدها إلى إديس أبابا التي يوجد بها مقر منظمة الوحدة الإفريقية حتى يسجل حزبه من ضمن الأحزاب المحتجة على التفرقة العنصرية التي كانت تمارس في إفريقيا. { نرجو أن توضحي لنا شائعة مرض الطيب عبد الله واهمالك له وتخليك عنه وهو على فراش المرض؟ - في الواقع الطيب عبد الله لم يكن أصلاً مريضاً، بل أنا المريضة بالصداع اليومي و(اللوز) وقصة هذا المرض سألوني عنها في كل الدول التي زرتها وأنا في تقديري أن هنالك أشخاصاً بعينهم قد يكون في شيء بينهم والطيب عبد الله أطلقوا هذه الشائعات لأغراض في نفوسهم وأنا تركتهم للمولى عزّ وجلّ نحن السودانيين بطبعنا لا نتخلى عن بعض في مثل هذه المواقف فكيف تتخلى زوجة عن زوجها في مثل هذه الظروف هذا مستحيل وكلام لا يصدقه عقل. { أحكي لنا قصة خلافك مع الطيب عبد الله؟ - بحكم طبيعتي التي تربيت عليها وإيماني وقناعتي بمسيرتي التي اخترتها كان اهتمامي بالآخرين ومشاكلهم جعلتني أنسى نفسي كامرأة متزوجة عليها واجبات وحقوق معروفة.. والطيب طبعاً كان يرى وهو من حقه كزوج أن يكون هذا الاهتمام به وأنا في كثير من المرات أتساءل مع نفسي هل أنا لست امرأة مثل باقي النساء وليس من حقي أن أعمل كذا وكذا حتى أكون مثل النساء كل هذه الأشياء كانت هواجس، ودي يمكن بالإضافة إلى الأشياء التي ذكرتها كانت سبباً في عدم استمرار العلاقة الزوجية وحصل الانفصال.