الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قامات وطنية وأغنيات خالدة.. في ذكرى الاستقلال
نشر في الأهرام اليوم يوم 31 - 12 - 2011

ظلت الحركة الوطنية السودانية الحديثة ومنذ بدايات القرن العشرين تقدم رموزاً وشهداء وزعماء من أجل تحقيق استقلال البلاد من ربقة الاستعمار الإنجليزي الذي سيطر على الوطن منذ معركة كرري في سبتمبر من العام 1898م، وكان لابد من أن تطل إلى الوجود حركة المقاومة الوطنية المنظمة، حيث ظهرت جمعية الاتحاد السوداني في العام 1921م ثم جمعية اللوا ء الأبيض الأكثر شهرة بسبب ارتباطها بقوة دفاع السودان (الجيش) مقرونا بالعناصر المدنية أو ماعرفت باسم قائدها العسكري البطل علي عبداللطيف وعبد الفضيل الماظ، ومن المناضلين المدنيين تأتي أسماء عبيد حاج الأمين وثابت عبدالرحيم وحسن فضل المولى وغيرهم، ومع كل ذلك ظهرت أغنيات خليل فرح الخالدة. وبعد تأسيس مؤتمر الخريجين في العام 1938م بودمدني أولاً ثم الخرطوم حين كان المحامي الأستاذ أحمد خير يبتدر أمر المؤتمر في ودمدني، تمدد النضال المدني في العاصمة، وتكونت الأحزاب الكبيرة (الاتحادي والأمة)، وهنا لابد من ذكر الدور الوطني الكبير الذي قام به أبو الوطنية السيد على الميرغني، والإمام السيد عبدالرحمن المهدي، والمناضل الكبير الزعيم الأزهري ورفاقهم أجمعين في تحقيق استقلال البلاد. والكل يعلم بأن السودان قد نال استقلاله من الاستعمار الإنجليزي في 1/1/1956م تنفيذاً لقرار البرلمان السوداني الصادر بإجماع نوابه في جلسة 19/12/1955م التاريخية، حين سار النواب من مبنى البرلمان القديم بشارع الجمهورية الواقع مقابل القنصلية المصرية، ساروا في موكب مهيب يتقدمه الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وزير الداخلية وقتذاك وبجانبه الأستاذ محمد أحمد محجوب المحامي وزعيم المعارضة في برلمان 1954م، حيث لم تصبح الحكومة السودانية مستقلة بعد، حتي وصلوا إلى قصر الحاكم العام والذي يسمى الآن بالقصر الجمهوري، لتقديم مذكرة للحاكم العام الإنجليزي يخطرونه بقرار مجلس النواب بإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان، فما كان من الحاكم العام إلا أن يستلم المذكرة ويرفعها إلى حكومة جلالة الملكة إليزابيث في بريطانيا، فقررت بريطانيا الموافقة على منح شعب السودان استقلاله، وقد تحدد تاريخ الفاتح من يناير 1956م هو اليوم الرسمي لإعلان الاستقلال وإنزال علمي دولتي الحكم الثنائي ورفع علم السودان بألوانه الثلاثة على سارية القصر الجمهوري، وقد ظل التلفزيون يبرز ذلك الحدث في كل عام تخليداً لتلك الذكري. ولكل ذلك، فإننا نخصص هذا الملف لعرض ملامح طفيفة على أناشيد الحركة الوطنية التي كتبها شعراء السودان في زمان الاستعمار الإنجليزي، وأيضاً بعدما نالت البلاد استقلالها، مستصحبين معنا حلو الذكريات العطرة، ومبتدرين الذكري مع صاحب نشيد الاستقلال الأستاذ الدكتور محمد وردي الذي سرد لنا بعض ذكرياته حول نشيده الخالد (اليومَ نرفع راية استقلالنا... ويسطِّرُ التاريخ ُ مولدَ شعبنا).. ربما تتساءل أجيال عديدة عن قصة النشيد الوطني المعروف الذي تبثه الإذاعات والفضائيات السودانية خلال الفترة من 19 ديسمبر إلى الأول من يناير في كل عام ميلادي. من الذي كتبه، وأين هو الآن، وكيف قابله الأستاذ الموسيقار محمد وردي. اتصلنا بالأستاذ وردي مهنئين سيادته بعيد الاستقلال، وسألناه إن يحدث عن قصة النشيد المعروف والذي يتم بثه دوماً في الذكري السنوية لاستقلال البلاد، فذكر بأنه كان يلتقي كثيراً ومنذ سنواته الأولى في طريق الفن بالأدباء والشعراء من طلاب جامعة الخرطوم في ذلك الزمان إلى أعطاه ذلك النشيد أحد أولئك الشعراء وهو عبدالواحد عبدالله، من أبناء القضارف وقد كان طالباً بكلية الآدب، وكان ذلك في العام 1961م، إبان فترة الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق إبراهيم عبود التي امتدت من 17/11/1958م وحتى قيام انتفاضة أكتوبر الشعبية في 21/10/1964م حيث تنازل عن الحكم بخطاب معروف في أمسية الأربعاء 28/10/1964م. وحين سألنا الأستاذ وردي عن الطلاب الشعراء بالجامعة وقتذاك من هم؟ أفاد بأنهم الذين شكلوا في ما بعد بسنوات قليلة مجموعة الغابة والصحراء كنموذج لانصهار الثقافة السودانية التي تجمع ما بين العروبة والأفريقانية، وأضاف وردي: أذكر منهم محمد المكي إبراهيم الذي أعطاني بعد انتفاضة أكتوبر نشيد (أكتوبر الأخضر)، وكذلك أذكر الشاعر الراحل والطالب وقتذاك (علي عبدالقيوم) الذي تغنيت له بنشيد (نحن رفاق الشهداء). وعن الشاعر صاحب نشيد الاستقلال والمشهور بمقدمته (اليوم نرفع راية استقلالنا) وهو عبدالواحد عبدالله فإنه قد سبق له أن عمل بالإعلام، وقد تم اختياره كمدير عام للإذاعة السودانية في فترة السبيعينات في زمان حكم الرئيس الراحل جعفر نميري، وبعد أن نال الأستاذ عبدالواحد درجة الدكتوراة فقد التحق بهيئة اليونسكو UNESCO التابعة للأمم المتحدة في مقرها الدائم بباريس، واصطلاح يونسكو هو اختصار لاسم المنظمة الطويل وهو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة).. وبعدها انتقل الدكتور الأديب عبدالواحد عبدالله من اليونسكو بباريس للعمل خبيراً بالخليج حتى اللحظة. يقول الأستاذ وردي بأن عمر هذا النشيد حتى العام الجديد هذا 2012م واحد وخمسون عاماً بالتمام والكمال، حيث ظهر إلى الوجود عبر الإذاعة السودانية في 1/1/1961 أي قبل ظهور التلفزيون الذي بدأ بثه بالعاصمة فقط في العام 1963م حين كان الراحل اللواء محمد طلعت فريد وزيرا للاستعلامات والعمل قبل أن تسمى لاحقاً بوزارة الإعلام، ثم تم إنشاء التلفزيون في الجزيرة ووصلها الإرسال في العام 1972م في عهد وزير الإعلام الراحل العميد (م) الأديب عمر الحاج موسى. غير أن الأستاذ وردي ذكر بأن النشيد لم يسبق إيقافه من البث عبر الأجهزة في كل العهود، إلا في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري في الأعوام 1971/1973 م حين كان وردي في المعتقل السياسي بسجن كوبر إثر فشل حركة الرائد الراحل هاشم العطا العسكرية، ثم أطلق سراح النشيد وبقية أعمال الأستاذ وردي مع نهاية العام 1973م إثر اجتماع سري بين الرئيس نميري ومحمد وردي بمبنى وزارة الإعلام ذات مساء وبترتيب من الراحل الأستاذ أحمد عبدالحليم الذي كان يعتلي مقعد وزارة الإعلام في ذلك الزمان. ظلت الأحداث السياسية منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية قبل وبعد الفتح الإنجليزي للسودان في العام 1898م تلهم أهل الفن شعراء ومطربين منذ قديم الزمان ليوظفوا مواهبهم الفنية لخدمة قضايا هذا الشعب والوطن، وفي مقدمة أولئك يأتي الفنان الوطني الكبير حسن خليفة العطبراوي وقد وضع تلك القضايا الوطنية نصب عينيه وهو يرى منذ ريعان شبابه وبحسه الوطني العالي كيف كان عمال السكة الحديد في عطبرة يسيرون التظاهرات في ميدان المولد هناك ضد المستعمر الذي أرهق مناضلي المدينة وأهلها كثيراً، فكانت تلك التظاهرات هي التي ألهمته عند توظيفه لموهبته الغنائية والموسيقية توظيفاً متقدماً ليخرج للجماهير تلك الأناشيد الخالدة التي سكنت الوجدان تماماً من خلال أكبر مجال وهي الليالي السياسية والاجتماعية بعطبرة والدامر. وحين تأسس مؤتمر الخريجين، ظلت عطبرة تحتفي بذلك الحس الوطني ضد المستعمر، والتظاهرات تلهم الجماهير الثبات والنضال، فأخرج حسن خليفة من خلال تلك الأجواء الوطنية الباهرة تلك الأنشودة الرائعة والصامدة حتى اللحظة، والتي ستحافظ على ذات ألقها وقوة طرحها بما ظلت تكتنزه مفرداتها من افتخار بالحس الوطني عالي المقام، فجاءت إلى الوجود في العام 1943 والحركة الوطنية تتوثب إلى إثبات ذاتها في خارطة السياسة السودانية، جاءت أنشودة (أنا سوداني أنا) والتي كتبها في عطبرة ابن مدينة رفاعة الشاعر الأستاذ محمد عثمان عبدالرحيم حين كان في قوة شبابه ووطنيته، وهو حالياً يعاني كبر السن بكل هدوء في مدينته رفاعة حيث أطلت القصيدة في ذلك الزمان وهي تمتليء بمفردات كبيرة المعنى، قوية الطرح، تلهم الروح الوطنية لكل من يستمع لها بلحن حسن خليفة وبصوته الواضح المعالم والمتمدد عشقاً لتراب هذا الوطن وقد كان التركيز في مخارج الصوت واضحاً: (كل أجزائه لنا وطنٌ.. إذ نباهي به ونفتتنُ نتغنى بحسنه أبداً.. دونه لايروقنا حسن.. لو هجرناه فالقلوب به.. ولها في ربوعه سكن ُنتملى جماله لنرى..هل لترفيهِ عيشه ثمن ُغير هذي الدماءِ نبذلها.. كالفدائي حين يُمتَحن ُبسخاءٍ بجرأةٍ بقوى..لا يني جهدها ولا تهِنُ تستهينُ الخطوبُ عن جلدٍ.. تلك تنهالُ وهي تتزن ُأنا سوداني أنا، أنا سوداني أنا) نعم... أتى ذلك النشيد يهز أركان الوطن كله بما طرحه من مضامين تخاطب الروح الوطنية في ذلك الزمان الذي شهد بدايات حركة الخريجين، ما قاد إلى انتباه السلطات البريطانية لمتابعة ما يفعله إنشاد ذلك الشاب – حسن خليفة - المتفجر وطنية وقوة بأس وعدم تردد في زمن كانت الكلمة الرمزية الواحدة يعمل لها الاستعمار ألف حساب منذ عهد صاحب شعر الرمزية الأول (خليل فرح)، فما بالك بنشيد العطبراوي الذي كانت تصحبه الموسيقى والإيقاع والطبل وترديد الجماهير له في كل محفل وجلسة ونادٍ.. فكان لا بد من أن يدخل بسببه العطبراوي سجن المديرية في الدامر في أربعينات القرن الماضي.. وبعد رحيل العطبراوي ظلت الفنانة أسرار محمد بابكر تؤدي ذات النشيد عبر الاحتفاليات القومية وبطريقة رائعة جداً. وقد كان للسودان ولا يزال دورٌ مشرفُُ في مناصرة شعوب العالم المستضعفة وقد ظل يجاهر بذلك دون تحفظ أو وجل، والآن لا بد من تبيان دور الفن السوداني الأصيل في خدمة قضايا شعوب العالم المستضعفة لنرى كم كان أهل السودان ومبدعوه ينشدون ويتغنون لتلك القضايا منذ عقود طويلة.. ما يؤكد على حيوية الشعب السوداني وتميز مبدعيه منذ قديم الزمان. فكيف لنا أن ننسى رائعة الأستاذ الشاعر د. تاج السر الحسن التي كتبها في زمان باكر وقد كان لا يزال شاباً في مرحلة الطلب الجامعي ويعيش انتشاءات وآمال ومفاصل نضالات حركات التحرر الوطني من ربقة الاستعمار إبان سنوات الخمسينات التي اشتاق ذات الاستعمار الآن للعودة لها في قالب جديد اسمه المحكمة الجنائية الدولية التي لن تتمكن أبداً من معاقبة منتهكي حقوق الدول كلها كالعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. وقد تغنى بتلك الأنشودة الخالدة الأستاذ عبدالكريم الكابلي في زمان باكر أيضاً من مسيرته الفنية الطويلة بالمسرح القومي بأم درمان ولأول مرة أمام الرئيس عبدالناصر في عام 1960م حين زار السودان في زمان حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود.. فجاءت هذه المقاطع المتميزة: (عندما أعزف ُ يا قلبي.. الأناشيد القديمة.. ويطل الفجر في قلبي.. على أجنح غيمة يا صحابي فأنا.. ما زرتُ يوما أندونيسيا أرض سوكارنو.. ولا شاهدتُ روسيا غير أني والسنا.. في أرض أفريقيا الجديدة والدُجى يشربُ.. من ضوء النجيمات البعيدة قد رأيتُ التاسَ في قلب الملايو..مثلما شاهدتُ جومو.. ولقد شاهدتُ جومو.. مثلما امتد كضوءِ الفجر يوم) والآن يعيد التاريخ نفسه وبذات الملامح.. ليتمدد عطاء الفن لخدمة قضايا السودان وهو يخوض أشرس المعارك للحفاظ على وجوده.. لذلك كان الفن.. وكان الإبداع.. وكان المبدعون الذين يلهمون شعبنا الصمود والتحدي والتصدي معاً.. فجاءت هذه الوقفة لمناصرة رمز السيادة الوطنية وشرف أهل السودان والتي أثبتت على حيوية الشعب السوداني.. وبمناسبة حيوية شعبنا هذه والتي ظل يتمتع ويتميز بها.. تستحضرني هنا مقولة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حين زار الخرطوم عقب نكسة حزيران/يونيو 1967م لحضور مؤتمر القمة الذي خرج بلاءاته الثلاثة المعروفة (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل إلا بعد خروجها من الأرض المحتلة).. فقال ناصر للصحافة العربية والعالمية: بأن حيوية الشعب السوداني قد أدهشته وشدت من أزره تماماً برغم أن الصحف العالمية كانت تقول إن الخرطوم قد خرجت لاستقبال القائد المنهزم.. فكتب له وقتذاك أبوآمنة حامد وتغنى أيضاً كابلي: والتقت نهضتنا بالعرب ِ.. يوم صافحنا جمال العرب ِ.. أنت يا ناصر في أرضي هنا.. لست بالضيف ولا المغترب. ألم يكتب الصحافي والشاعر الراحل مرسي صالح سراج في زمان بعيد مضى ليتغني بها وردي ذات يوم (نحن في الشدة ِ بأسُُ ُ يتجلى.. وعلى الود نضُّم الشملَ أهلاً.. ليس في شرعتنا عبدُ ُ ومولى). إذن.. فلنردد مع الفيتوري ووردي تارة أخرى غناءنا القديم العريق الخالد ونحن نشهد الآن صمود الخرطوم كعادتها عند الشدائد: (أبداً ما هُنت يا
سوداننَا يوماً علينا.. بالذي أصبح شمساً في يدينا.. وغناءً عاطراً تعدو به الريح.. فتختال الهوينا يابلادي.. من كل قلب يابلادي). ولود القرشي والشفيع... إسهامهما الواضح في الغناء ضد المستعمر من منا لا يذكر ذلك النشيد الذي لا زالت أصداؤه تتردد حتى بعد انتقال صاحباه إلى الفريق الأعلى، وقد كتبه الشاعر والملحن في ذات الوقت (محمد عوض الكريم القرشي) الذي كتب أكثر من 90% من غناء عثمان الشفيع، وقد أدى الشفيع ذلك النشيد إبان سطوة الاستعمار الإنجليزي في الحفلات العامة وفي المدارس إلى أن تم اعتقاله في نهاية أربعينات القرن الماضي وتم إنذراه رسمياً بتعهد منه بعد ترديده، تماماً ملثما كان قلم المخابرات في السودان يتتبع أي أعمال غنائية تتحدث عن الوطن والوطنية تشحذ الهمم على مقاومة الاستعمار. فقد كان نشيد (وطن الجدود.. نفديك بالأرواح نجود.. وطني) يعمل فعل السحر في أوساط شعب السودان ومثقفيه وطلابه وعماله ومزارعيه، لذلك ظلت تجمعات الطلاب في الثانويات وفي الجامعة تنشده بلا تحفظ داخل أسوار معاهدها في مهرجاناتها العامة السنوية. كما أردفه ودالقرشي والشفيع بعمل وطني آخر هو (جنود الوطن)، غير أن قوة نشيدهما الأول (وطن الجدود) كان الأكثر انتشاراً حتى اللحظة. العديد من المتابعين يتذكرون تلك الأغنية الوطنية المعروفة التي قام الموسيقار بشير عباس بإعادة توزيعها موسيقياً في العام 1972م، حيث ظلت مجموعة البلابل تؤديها منذ ذلك الزمان، وهي أنشودة (الشرف الباذخ)، غير أن البعض يعتقد بأن الأغنية هي من التراث الذي لا يعرفون له شاعراً محدداً أو شاعرة معينة، غير أننا نؤكد هنا بأن نشيد الشرف الباذخ قد كتبه وتغنى به الشاعر والمغني الوطني الراحل خليل فرح إبان سطوة الاستعمار واشتداد حركة المقاومة الوطنية منذ العام 1921م حتى رحيل خليل فرح في العام 1932م وقد مات وهو في الثامنة والثلاثين من عمره. كان ذلك النشيد وبلغته البسيطة يعبر عن آمال وطموحات الشعب السوداني في الاستقلال، لكن إرادة الله شاءت أن يرحل الفنان الوطني الخليل قبل أن يرى بلاده التي أحبها قد نالت الاستقلال بعد 24 عاماً من رحيله. ولنا أن نعيد بعض مقاطع ذلك النشيد الذي يشتمل على شحنات عالية من الحس الوطني الدفاق: نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل من تبينا.. قمنا ربينا ما اتفاسلنا قط بقليل ده ود عمي... وده ضرب دمي إنت شنك.. طفيلي دخيل قوم وقوم كفاك يا نايم قوم وشوف حداك ياهايم مجدك طلَّ.. وشرفك ولّى وإنت تزيد... زيادة النيل إذن.... كان الخليل وبحسه الوطني المتقدم، كان يرى ملامح الصمود سوف تتفاقم، حيث شهد عهده قيام جمعية اللواء الابيض في العام 1924م، برغم أن الخليل كان من مؤسسي جمعية الاتحاد السودان في الأعوام 1920/1921م كانعكاس وتأثر بثورة عام 1919م بالشقيقة مصر ضد الوجود البريطاني في مصر وبقيادة زعيمها الوطني سعد زغلول في ذلك الزمان. ومنذ لك الزمان.. بدأ المبدعون الوطنيون من أهل السودان يحثون على رفع وتيرة الإحساس الوطني لدى الجماهير بإنشادهم الوطني عالي المقام. ورويداً رويداً، تكونت الجمعيات ومؤتمرات الخريجين وتشكلت التكوينات الأولى للأحزاب السودانية، فالنقابات المهنية، حتى تحقق استقلال السودان في 1/1/1956م فأتى الاستقلال سالماً تماماً (كالصحن الصيني.. من غير شق أو طق)، كما قالها الزعيم الأزهري في خطاب الاستقلال الذي أضافه في خطبة الاستقلال مشيرا إلى الدور التاريخي الذي قام به السيد على الميرغني بأنه: ( (لولا الأسد الرابض في حلة خوجلي لما تحقق الاستقلال).. وكل عام وأهل السودان في كل الدنيا بألف خير وعافية وأمان.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.