{ كان مألوفاً لدينا – حتى وقتٍ قريب - أن يتحجج الشاب أو الفتاة في حال عدم الرغبة في الارتباط بحجة الدراسة والمضى في مواصلة التعليم أو تأجيل موضوع الارتباط لأجل غير مسمى أو التذرع بأية حجة لبقة وإن كانت واهية. وأحياناً يكون الرفض مستتراً وغير مباشر ويأتي في إطار دبلوماسي من خلال اتباع سياسة التعجيز بفرض طلبات عويصة ومبالغ فيها تدفع بالعريس إلى الهرب طوعاً من هذه الزيجة المكلفة وإلغاء الفكرة تماماً وبهذا يكون الله قد كفى أهل العروس القتال. وكل هذا مقبول ومعلوم على الرغم من أنه قد أصبح من النادر جداً أن تبادر أية فتاة برفض أي عريس (جاد) يأتي البيوت من أبوابها ولديه الاستعداد لتحمل مسؤولية الحياة الزوجية مهما كان حجم إمكانياته ومهما كانت صفاته، فعزوف الشباب عن الزواج لأسباب قتلناها بحثاً وضع الفتيات (في حتة ضيقة) فلم يعد لديهن الوقت الكافي للاختيار والتفكير بالذات إذا كن بنات عائلات مستورة وعلى قدر حالها. { ولكن.. وبعد الازدياد المخيف في معدلات العنوسة والفساد درجت العادة مؤخراً في حال تقدم عريس ما لطلب يد فتاة ومنذ الزيارة الأولى لأهلها يتلقونه بالترحاب ويحتفون به أيما احتفاء ثم يقررون احتواءه وتوريطه باقتراح تحويل (فتح الخشم) لعقد قران ويؤيدون هذا الاقتراح كسباً للوقت وتوفيراً للنفقات وربما تشبثاً بالعريس وقطع كل سبل التراجع أو النكوص عليه في ما بعد في حال طرأ طارئ على الخطبة بحيث لا يجد أمامه فرصة للفرار أو إنهاء الأمر وهكذا أصبح السواد الأعظم من الأسر على استعداد تام لتقديم أي تنازلات معقولة في سبيل إحصان البنات وبناء الأسر الصغيرة. ولكن في اعتقادي أن هذا الفهم البسيط المتساهل لا يزال قاصراً على الطبقات المستضعفة محدودة الإمكانيات الباحثة عن الستر كيفما كان. فالأمر برمته لا يخرج عن إطار الأوضاع الاقتصادية المتعسرة للكثيرين، لأن الأسر البرجوازية الموسرة ما تزال في غنى عن تقديم هكذا تنازلات ما دامت قادرة على توفير حياة كريمة لكريماتها ولا تشكو من عبء مسؤوليتهن أو ضيق ذات اليد والزواج بالنسبة للعديد منها الأسر عبارة عن مهرجان للتفاخر ومجال للتنافس وممارسة بدع وتقاليع ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك تجدهم يحرصون على إقامته بكل تفاصيله وطقوسه وكما تشتهي أنفسهم بل يبرعون في ابتكار وإضافة طقوس وتفاصيل جديدة مدهشة وغريبة على أمل أن تبقى طويلاً عالقة في أذهان الناس ومرتبطة بهم دون سواهم. { ولأن الخيرات متوفرة والإمكانيات لديهم متاحة وليسوا في عجلة من أمرهم، فاحتمالات الرفض القاطع لديهم متوقعه جداً وبلا مجاملة، بل إنهم بدأوا يبتكرون طرقاً جديدة للرفض بعضها طريف وبعضها جارح ولا عزاء للعريس المسكين وأهله. ويحكى أن آخر تقاليع الرفض الحديث ابتكرتها سيدة ثرية من سيدات المجتمع الخرطومي المخملي ضد العريس المتقدم لابنتها، الذي رأته هي دون المستوى ولا يتوافق مع مخططاتها (البوبارية) التي وضعتها لزواج ابنتها. ولما كانت العروس من الرومانسية والدلال بحيث أبدت تمسكها بالعريس من بين الدموع، تراجعت أمها عن إبداء الرفض الحاد والمباشر الذي كانت ستواجه به العريس دون أن يعنيها أمر شعوره أو كرامته فهو في نظرها يستحق العقاب الرادع لأنه تطاول بمجرد تفكيره في الارتباط بابنتها سليلة الحسب والنسب، وهكذا حاولت هذه الأم (القادرة) التمتع ببعض الدبلوماسية واتجهت اتجاهاً تعجيزياً يرفع عنها العتب ويمتعها بالتميز العلمي ويجنب (ابن الناس) الحرج الذي يثير حفيظة الابنة، وهكذا عمدت (أم العروس) لتطفيش العريس بطريقة جديدة ومبتكرة، إذ طلبت منه ضرورة إجراء فحص الإيدز وموافاتها بالنتيجة من مختبر معروف وبأوراق رسمية وعلى ضوء ذلك تنظر في الأمر!! ورغم أن الطلب في ظاهره متحضر وموضوعي إلا أن العريس قد ثارت ثائرته ورفض هذا الاتهام الأخلاقي المباشر والطعن في شرفه على أساس ماضيه الأسود وانحرافه المفترض، وهكذا فشلت الزيجة ونامت أم العروس قريرة العين ولكن ماذا لو كان هذا العريس من المرونة و(اللياقة) بمكان بحيث وافق على هذا الطلب فوجدت أم العروس نفسها في مأزق جديد؟! { تلويح: ارحموا شباب أبنائنا.. يرحمكم الله.