٭ درجت العادة مؤخراً في العديد من الأسر السودانية على اتخاذ إجراءات عقد القران الفورية حالما يطل الخاطب برأسه يطلب الزواج. وأصبحنا نسمع في كل يوم عن «فلان» الذي قصد أسرة «فلانة» طالباً يدها فخرج من عندهم بعد ساعة وهو يتأبط «قسيمة» زواجه الشرعية. ٭ وبقدر ما يتسم الأمر بالالتزام الديني والاحترام؛ بقدر ما نراه التصرف الأكثر حكمة وتأدباً في حضرة الإسلام، إلا أن الواقع يؤكد أن العديد من الزيجات التي بدأت بفرض سياسة الأمر الواقع على أهل العريس اعترتها بعض المشاكل. وإذا كان القصد من ذلك الإجراء هو الإحصان والعفة؛ فيجب ألا ننسى أن هذا السبب عينه يدفع العديد من الشباب والشابات لممارسة حقوقهم الشرعية داخل هذا الإطار الشرعي الذي لا غبار عليه دون أن يردعهم واعز ولا ضمير، ودون أن يجرؤ أحد على انتقادهم أو لومهم. والمحصلة في النهاية استنكار من المجتمع وأعرافه التقليدية لنتائج هي في النهاية حلال شرعاً، ورغم قصور نظرة المجتمع وحيادها عن الصواب؛ إلا أننا لا يمكن أن نتجاوزها جذرياً، لأننا بالأساس كائنات اجتماعية. ٭ إذن، مع تقديري لمبادرة عقد القران مباشرة، دون الحاجة لمطاولات الخطوبة وتبعاتها وإيجابيات تقليص الخسائر المادية بهذا الدمج ما بين الخطوبة والعقد، وسياسة ضرب عصفورين بحجر الأمر الواقع، وبغض النظر عن المآرب الخفية لأهل العروس التي قد تتمثل في المسارعة بإحكام قبضتهم على العريس «وتوريطه» وقطع طريق العودة أمامه حتى لا يباغتهم بالتراجع أو يغير رأيه عن إتمام مراسم الزواج لاحقاً لأي سبب، مع تقديري لكل ذلك، ودون المساس بالسقف الديني للمبادرة، فإنني أحسب أن في الأمر بعض الإجحاف للطرفين، فأحياناً تكون الخطبة هذه خطبة «صالونا ت» أو ترشيحات أو إعجاب خارجي بريء لم يصل حد المعرفة الدقيقة، بحيث يتأكد الطرفان من انسجامهما التام وإمكانية عيشهما معاً باستقرار وطمأنينة وهدوء، وفي هذه الحالة يكون عقد القران أشبه بتقرير المصير الحتمي والملزم بالاستمرارية في زيجة قد تكون غير متكافئة ولا يتوفر فيها الحد الأدنى من ضروريات إنجاح العلاقة وتكوين أسرة ممتدة. ٭ فكثيراً ما يكتشف الطرفان أن هناك نوعاً من عدم التوافق، أو يتعرفان على «بعض الملاحيظ» والعادات والمفاهيم التي لا يحتملان وجودها في شريك الحياة، ولكن الأوان يكون قد فات ولا سبيل للنكوص والانسحاب، فإما يقع المحظور منذ البداية ويكون الطلاق سريعاً ومثيراً للجدل والتساؤل والإحباط وتحسب عليهما تجربة فاشلة؛ أو يستمران في هذا الزواج التعسفي بكل ما يشوبه من خلافات جوهرية تؤكد أن الحياة لن تمضي بهدوء وسلام كما يجب. ٭ وهذا لا يعني أن سياسة الأمر الواقع بالضرورة تؤدي إلى زواج فاشل، فمعظم الزيجات التي تستند على أرضية صلبة من المعرفة الدقيقة والمشاعر الطيبة يكون الأمر بالنسبة لها تتويجاً ودافعاً إيجابياً واختصاراً للوقت وتوفيراً للمال، حتى وإن كانت زيجة عائلية فعلى الأقل العديد من الأمور معروفة والاستعداد لاحتمال بعض الهنات متاح، ولكن ماذا عن أولئك الذين لم يحدث بينهم أي تعامل أو تعارف عن كثب، وقادتهم أقدارهم لهذا الاختيار بناءً على توجيه الغير أو إرضاءً لهم أو لحسابات تتعلق بالعمر أو بعدم وجود أي ارتباط جدي في حياتهم ليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها أزواجاً رسميين وأحدهم يجهل حتى الاسم الكامل للآخر فيتحول الأمر لمجرد إذعان «للقسمة»، والمستقبل المجهول متروك لاحتمالات التوافق والانسجام والحب الذي قد يأتي متأخراً، وإما أن يشملهما الله برحمته فيؤدي بهما هذا الزواج وطقوسه الحميمة إلى الراحة والسعادة والتوفيق، أو تثور الأفكار والأحلام وتتمرد على الواقع المفروض فيقع المحظور الذي لا نتمناه لأحد. ٭ تلويح: أن يأتي الحب متأخراً.. خير من ألا يأتي، ولكن ما هي الضمانات لذلك؟!!