الحياة كفاح.. مقولة تتجسَّد في العديد من القصص الحياتية اليومية، أبطالها شباب رفضوا القنوع بواقع (العطالة) ولو بالعمل في مهنة (جانبيَّة).. ولا نقول هامشية، بعد أن اصطدمت طموحاتهم بواقع يضنُّ بفرص العمل المنتظمة، لكنهم لم ييأسوا، وتفتقت أذهانهم عن طرق طوروها لكسب الرزق، ومنهم هذا الشاب.. { نظرة أمل «محمد آدم».. ذو الأعوام السبعة عشر، أتى من قرى شمال دارفور إلى الخرطوم بحثاً عن الرزق.. فتفتق ذهنه عن فكرة صنع وسيلة جديدة يعتاش منها، دون أن تطارده سلطات المحليات، ويكون عرضة ل (الكشات) كبائعي الأرصفة (الفرَّاشة).. أو (تجار الواطة) كما يسمِّيهم الناس. (الأهرام اليوم) شاهدته يقف أمام طبليته المتحركة بالقرب من جامعة النيلين، يبيع (المدمس) و(التسالي) و(الترمس) و(الكبكبي) و(النبق) و(الدوم) وجميع الثمار الخلوية السودانية المعروفة.. يفعل ذلك في دعة وحبور وابتسامة بريئة ونظرة تستشرف المستقبل، عسى أن يتمكن يوماً من تحقيق طموحاته..! { طبليَّة ومخزن..! اليافع «محمد» أضاف إلى (الدرداقة) طاولة لعرض بضاعته بواسطة حداد، بعد أن ركب فيها أربعة قوائم وتربيعة ثبت عليها سطحاً خشبياً، وقال إنه بهذه الطريقة يستطيع حمل البضاعة في جوف (الدرداقة) لتصير مخزناً أثناء التجوال، وعندما يحط رحاله يخرجها ويعرضها بصورة جيدة وصحية داخل أكياس النايلون، لأنه يعمل في مكان حساس - حسب قوله - في إشارة إلى الجامعة. { لسَّه صغيِّر..! ضحك «محمد» عالياً عندما سألناه عن طالبات الجامعة، إن كان يحلم بأن تكون له زوجة منهن بعد خمس سنوات، فقال إنه ما زال صغيراً ويشتاق إلى رؤية أبناء قريته في شمال دارفور، كما أنه أكمل مرحلة الأساس فقط، وبنات الجامعة يرغبن في الزواج من جامعيين، كما يرى. { لا مضايقات سلطات المحلية لا تضايق هذه الشاب اليافع - كما قال - ولا أحد يسأله، ويرى أن السبب يكمن في أنه يعمل من خلال أداة متحركة، وما يبيعه لا علاقة له بما يعرضه التجار في دكاكينهم، فهو يقدم للطالبات والطلاب ما يتسلين به. { أحلام مؤجلة أحلام الاستقرار ما فتئت تداعب هذا الفتى الأسمر، إذ يحدوه الأمل في أن تستقر دارفور الحبيبة تماماً حتى يعود إلى زراعة أرض أجداده في الخريف ويسرح بالماشية صيفاً ويبني بيتاً جميلاً قرب منزل أهله ويكون أسرة مع إحدى جميلات شمال دارفور.. كلمات قالها محمد في ختام حديثه لنا.. فودّعناه تاركين إياه بصحبة عمله وأمنياته التي نتمنى من الله أن تتحقق.