تحياتي وتقديري وإعجابي... أرجو أن أستعير إندياحك اليوم لأطرح وجهة نظر أتمنى أن تكون مهمة وقيمة. {(إن شاء اللة تبقى لي دكتور).. كانت تلك العبارة أو الأمنية لها صدى في المجتمع السوداني وبالأخص المجتمع الريفي الذي يقوم على روح الترابط الاجتماعي، فوظيفة دكتور كانت من الوظائف التي ينحني لها المجتمع تقديراً لمن يحمل درجتها، فالدكتور كان هو الأب في المجتمع الذي من حوله، تقديراً للدور الذي يقوم به مهنياً وأخلاقياً بل وروحياً، فهو الذي يطمئن وهو الذي يدخل في النفس التي أثقل عليها المرض روح الحياة، لكن بعد تطور المجتمع أي تدمر المجتمع أخلاقياً ومهنياً وشاعت روح الجشع المادي، التي أسهمت في تقليل النخوة الضميرية التي تتحكم في السلوك العام. { وفقدت مهنة دكتور أهم معاول الإنسانية التي تأتي في المقام الأول قبل الشهادة وقبل كل شيء، أصبح الطالب يدرس لكي يتخرج ويعمل من أجل أن يوفر أكبر قدر من المال وأصبحت الجامعات تلقن العلم من خلال الكتب وليس من خلال المهنية التي هي بمثابة المرآة في الضمير، فبعد ثورة التعليم العام التي أسهمت في مخارجة الطلبة ولم تسهم في تخريجهم وجعلهم أداة للتخزين والتفريغ والحشو الأكاديمي أكثر من الحشو القيمي الذي يسهم في تبصرة الطالب وتعريفه بالدور الذي يقوم به والدور المرجى منه بعد التخرج. { دخول الجامعة كان في القدم من أعظم المراتب التي يصل إليها الطالب كما أن دور الخريج في المجتمع هو دور القدوة والمعلم، لكن اليوم أصبح الطالب الجامعي أقل قدراً من طالب الأساس في القدم، أصبحت الجامعات مرتعاً للمراهقين، وتكملة للنمو العاطفي، بل وسيلة لتردي الأخلاق، خلت المناهج من المواد التربوية والدينية التي تسهم في ترقية السلوك الجماعي وتأسيس مجتمع سليم بإمكانه أن يحدث طفرة بشرية هائلة في الدول والمجتمع السوداني بصورة شخصية، ماتت روح البحث والأمانة العلمية، أصبحت التجاوزات في الجامعات هي الديدن الذي تنتهجه، دخول النظام الذي يجعل الطالب النظامي والطالب الذي يدخل بالمال في مرتبة واحدة قتل روح المنافسة في الطلبة وأسهم في تقليل قيمة الشهادة السودانية داخلياً وخارجياً، بل وأصبحت المؤسسات تنشئ منهجاً يتعلمه الخريج قبل أن يدخل في وظيفته. { أختم مقالي بقصة صغيرة حكاها لي أحد الأصدقاء وقال: طرحنا في مؤسستنا وظائف للطلبة وعملنا امتحان قدرات "البيجتازو بيتوظف"، فجلس للامتحان ألف طالب نجح حوالي 50 طالباً و"النجحو ديل هم خريجين من الأعوام 90 و91 كلهم من الفئة المامستهدفة بالوظيفة يعني التسعمائة وخمسين الفشلو ديل كلهم من خريجي الألفينات"، فتبسمت باكياً على حال هؤلاء ومضيت. مجاهد عثمان باسان { { تلويح: شكراً للأخ (مجاهد) ومساهمته القيمة.. وكلنا نبكي على طلاب التعليم العالي الذين لم يعد لهم دور فى المجتمع ولا هم ينفعون حتى أنفسهم.. والتحية للقلائل الصامدين المتميزين... وربنا يصلح الحال.