{ السيد الصادق المهدي يخرج علينا بمبادرة لإنهاء حالة الحرب بين السودان ودولة جنوب السودان أسماها «الشافي» أفرج عنها في ندوة أقامها بدار حزبه. ويقول إن مبادرته تصب في مصلحة البلدين والأحزاب السياسية المعارضة وحملة السلاح في البلدين. والسيد الصادق يربط كل ذلك بقانون العقوبات الأمريكية على السودان الذي يدرسه الكونجرس الأمريكي هذه الأيام على خلفية مسودة قدمها عدد من النواب من بينهم النائب عن دائرة فرجينيا المدعو «وولف» وهو أمريكي من أصول يهودية، كان قد دخل ولاية جنوب كردفان من جنوب السودان بطريقة غير مشروعة. { سعة أفق السيد الصادق وخياله الواسع يدفعانه لطرح هذه المبادرة التي سيجد فيها السودان ودولة جنوب السودان حلولاً لمشاكلهما مع بعضهما البعض ومشاكلهما الداخلية مع الأحزاب السياسية المعارضة ومع حملة السلاح في البلدين، ومن اسم المبادرة فإن الحلول ستكون شافية ونهائية. وبالرغم من أننا لم نطلع على تفاصيل المبادرة إلا أن كثافة مبادرات السيد الصادق ومصطلحاته وترقيماته لكل شيء تضعف طرحه ومبادراته، وقد رسخ لدى عامة الناس أن هذه المبادرات هي للاستهلاك السياسي وأنها تخاطب الهواء الطلق أكثر من أن تخاطب القضايا التي تتناولها، وحتى السيد الصادق نفسه تجده ينسى مبادراته وكأن علاقته بها تنتهي عند تمامها داخل ذهنه، وما أن يفرج عنها وتلامس آذان الناس من خلال تلك المنابر التي يحرص عليها يتركها وشأنها ويدخل في «كومة» عصف ذهني لإنتاج مبادرة أخرى. { ومهما يكن فإن مبادرات السيد الصادق وإن كان هذا مردودها وسط النخب وعند عامة الناس، فإنها تثري الفكر السياسي وتقدم وصفات ربما يحتاجها البعض ويبني عليها. ومن الأشياء المحمودة لحزب الأمة القومي ولرئيسه السيد الصادق أنهم يقدمون مساهماتهم الفكرية في كافة القضايا وكذلك للحزب رؤية في كل شيء، ولكن هذه الأشياء يجب أن يتم ضبط تدفقها وألا يتم طرح المبادرات بهذه الكثافة، وهي تجتهد لتخاطب كل شيء وتفصل فيه، وحتى هذه المبادرة التي أسماها «الشافي» ما دلالة هذا الاسم وهل سيضيف إلى مكوناتها مكوناً أساسياً أم كان من الأوفق أن يسميها باسمها الذي يخاطب المشكلة بشكل مباشر ويفهمه كل من يطالعه ومن ثم نتساءل ألم يكن من الأفضل أن تخاطب المبادرة مشاكل السودان فقط، إما مع دولة الجنوب أو مشاكله الداخلية مع الأحزاب السياسية المعارضة ومع حملة السلاح؟ وأن تنأى المبادرة من القول بأنها تحوي في داخلها حلولاً لمشاكل دولة الجنوب الداخلية. { المبادرات في الحياة السياسية لا تقوم على الفكر الذي يتسلح به السيد الصادق المهدي، وإنما تقوم قبل كل ذلك على علاقات الحزب وعلى مدى تأثيره في الساحة التي يبادر فيها، وإلا كانت هذه المبادرات للاستهلاك كما أسلفنا لاسيما وأن الفكر هو أحد أدوات المراقبين والخبراء. أما السياسيون مثل السيد الصادق فإن علاقاته وقدرات حزبه هي التي تمضي بمثل هذه المبادرات حتى منتهاها، وبمقدار تلك العلاقات والقدرات تقطع المبادرة المسافة التي تستطيعها وإلا توقفت عند منتصف الطريق وربما في مبتدأه أو قد تعجز عن الخطو تماماً وتنتهي لحظة الإعلان عنها. { لا نريد في هذه الزاوية أن ندرس علاقات حزب الأمة القومي وقدراته وتأثيراته بما في ذلك علاقات السيد الصادق وقدراته، وهي بالتأكيد لا تمنح مبادرات رئيس الحزب الطاقة الكافية التي تمكنه من الانتقال بمبادراته من الجانب النظري إلى الجانب العملي، ويمكن لأي مراقب أن يرصد مبادرات السيد الصادق المهدي وهي مبادرات كثيرة لم يتم اختبار أية واحدة منها عملياً ناهيك من الوصول إلى أهدافها، فعلاقات حزب الأمة مع كافة القوى السياسية بالداخل هي ليست على ما يرام، وهذا شيء طبيعي بسبب حالة التأرجح التي هي سمة السيد الصادق المهدي وبالتالي هي سمة الحزب، فالسيد الصادق المهدي اليوم هو مشارك ومعارض في آنٍ واحد، وعلاقته بتحالف المعارضة في وضع حرج وهي الأقرب إلى مربع العداء منه إلى مربع التعاون والتنسيق، وللسيد الصادق المهدي في هذا الجانب حق وهو يرى في المعارضة ضعفاً وخدمة ل «أجندة المسلحين» العنصريين، ويعرضون أمن واستقرار البلاد للخطر. كما أن علاقات السيد الصادق بدولة الجنوب تراجعت إلى مربع «عدم الثقة» منذ خروج الحزب عن التجمع قبيل إحلال السلام الشامل. أما علاقته بالحكومة فإنها جيدة ويمكن أن تدفع في اتجاه الحلول لمشاكل البلاد، ولكن في إطار الحلول الوطنية بعيدًا عن فزاعة العقوبات الأمريكية. وهناك من المعارضين وحملة السلاح من يعولون على العامل الأمريكي أكثر من تعويلهم على مصلحة وطنهم.