لا يأتي هذا الاهتمام شبه اليومي بالقضايا والتطورات العربية والدولية خصماً من اهتمامنا بما يدور في الداخل من سياسة واقتصاد وتوترات وغناء وكرة قدم.. وإلخ، وحتى إذا ما كان هناك اهتمام أكثر بالعربي والدولي على حساب ما هو سوداني فإن هذا الاهتمام لا يشمل الجريدة كلها - أية جريدة - لكنه يقتصر على كاتب أو اثنين وهو أمر لا غبار عليه بل أنه محمود لأن هناك من الكتاب من يركز على السياسة المحلية، وهناك من لا يكتب إلا في الرياضة، وهناك من تقتصر كتاباته على الفن ورابع على الجريمة وهكذا. وهذا التخصص في الكتابة يقوي الجريدة ولا يضعفها بأي حال من الأحوال، ومن ناحية أخرى فإن القضايا جميعاً متشابكة ومتداخلة فالبرنامج النووي الإيراني مثلاً يهمنا هنا في السودان باعتبارنا دولة عربية مسلمة في غالبيتها وأفريقية منتمية إلى العالم الثالث، وهذا البرنامج النووي حتى إذا ما وضع إيران في مصاف الدول النووية فإنه لا يشكل أي خطر على السلام العالمي أو السلام الإقليمي والعكس هو الصحيح . فنووية إيران سوف تكون قوة ردع ذات شأن خاصة في هذه المنطقة من العالم، وعندها يستحيل أن تستخدم إسرائيل سلاحها النووي تماماً مثلما كانت نووية الاتحاد السوفيتي قوة ردع حالت بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين أن تستخدم سلاحها النووي، وهي عندما استخدمته من قبل في عام 1945م في مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين لم يكن الاتحاد السوفيتي قد أصبح بعد دولة نووية . وإلغاء البرنامج النووي الإيراني يحقق استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي، وعندما تظل إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط فمن معاني ذلك أن يستمر الضعف والعجز العربيان، وأن يستأسد في المقابل حلفاء إسرائيل وأصدقاؤها في المنطقة وخارجها. ورغم ما قرأناه وسمعناه فإننا ما زلنا نتمنى ألا تكون جمهورية جنوب السودان من هؤلاء الحلفاء والأصدقاء؟ وإذا كانت جمهورية جنوب السودان تستطيع أن تحقق مصالح كثيرة من خلال إقامة علاقة خاصة وثيقة مع إسرائيل، فإنها تستطيع أيضاً أن تحقق مصالح كثيرة من خلال إقامتها لعلاقات خاصة مع السودان ومصر ودول الخليج العربي ومنها السعودية، فالمال العربي والموارد الطبيعية السودانية والخبرة المصرية والسودانية أيضاً..وإلخ، ذلك كله يمكن أن يحقق قدراً كافياً لمنافسة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي ثم أن كثيرًا من مظاهر هذا التفوق وتجسيداته يمكن أن يشترى بالمال. إذن فإن البعض عندما يسرفون في الكتابة عما يجري خارج الوطن العظيم فإنهم لا يهربون بذلك من مشكلاته وقضاياه، فهم في قلبها طوال الوقت. وفي نزوعهم للكتابة عن الخارج كثير من الفائدة التي تساعدهم في الإسهام في معالجة مشكلات الداخل وهمومه وقضاياه، وهو أساساً لم يغب ولن يغيب لحظة واحدة عن العين، وقد كتبنا عنه كثيراً ولم نترك شاردة ولا واردة إلا وقفنا عندها، ثم أنه - أي الوطن - هو العين التي ننظر بها للدنيا وما يدور فيها بل هو أكثر من ذلك.