أشرقت شمس الثلاثاء الماضي وكليات جامعة سنار قد أكملت جاهزيتها لممارسة فضيلة الديمقراطية وانتخاب اتحاد طلابها في دورته الجديدة. الاحتكام للصندوق في انتخابات تأخرت عن الانطلاق في زمنها المحدد هو أمر متكرّر الحدوث في الجامعات السودانية خلال العقود الأخيرة. الأكثر تكراراً بالطبع هي أحداث العنف التي أصبحت ماركة مسجلة وديباجة ملحقة مع كل عملية انتخابية لاختيار الاتحادات الطلابية على طول خريطة البلاد. كليات الجامعة بسنار، سنجة، السوكي وأبو نعامة تنافست فيها قائمتا الطلاب الوطنيين الإسلاميين وقائمة الوحدة الطلابية، والساعة تقترب من السابعة مساءً، كانت الصناديق ممتلئة بأوراق الاقتراع التي عبأها الطلاب من كافة المجمعات. جاءت لحظة الفرز داخل مجمع اقتصاد، العملية مضت متسارعة، خارج الغرف كان ما يربو عن الخمسين طالباً يحبسون الأنفاس في انتظار ما تسفر عنه نتائج الفرز. قراءة ملامح الوجوه أثناء الفرز كانت تنبئ بأنّ الطرفين يعبان من كأس الفوز وتلهج أعينهما بنشوة الانتصار؛ قائمة الوحدة الطلابية تراها أقرب من لمح البصر، والوطنيون الإسلاميون يرون تقلد تنفيذية الاتحاد من غيرهم هو المحال بعينه، في الانتظار كانت سيارة صالون تتقدم عربتين (تاتشر) تحملان على ظهريهما مجموعة من الملثمين يرتدون زياً موحداً (قميص أبيض وبنطال) وبين أيديهم من العصي والسيخ والملتوفات محاولين مهاجمة غرف الفرز، بدأوا بالهتاف في مدخل الكلية في "المجمع" عند طرف مدينة سنار، واحتدموا مع الطلاب دون أن يُعرف إلى أي الجهات ينتمون؟ ومن هم أولئك الذين أحالوا انتظار الطلاب في كلا القائمتين بالفرحة والظفر بأيلولة الاتحاد له إلى صدمة روعت الجميع وأحالت العشرات في لحظات إلى جرحى وهاربين من أتون الجحيم؟! بعض الطلاب من المنضوين تحت قائمة الوحدة الطلابية تحدثوا ل(الأهرام اليوم)، من بين عباراتهم تسللت نبرة اتهام محاولين كشف طلاسم أولئك الذين هاجموا غرف الفرز داخل مجمع كلية الهندسة بالتزامن مع مهاجمة مجمع كلية الاقتصاد، وأشاروا بأصابع الاتهام للمؤتمر الوطني بالولاية، الذي قالوا إنه أحس بالهزيمة فعاجل الجميع بسيناريو العنف، وأنّه لم يطق استكمال فرز النتائج بعد أن رجحت الإحصائيات والتكهنات وأظهرت صناديق مجمع كلية الهندسة والقانون والطب بالجامعة - حسب إفادتهم - تقدم قائمة الوحدة الطلابية - تضم المستقلين، الاتحادي الديمقراطي، الجبهة، حزب الأمة والناصريين - بفارق أصوات أكثر من 256 صوتاً من أصل 380 صوتاً عن قائمة الطلاب الوطنيين الإسلاميين. سر المكالمات الهاتفية.. وقرع الملثمين للأبواب!! بحسب اتهامات بعض الطلاب الذين كانوا يراقبون عملية الفرز، الذين تحدثوا ل(الأهرام اليوم)، فإنّ اتصالاً هاتفياً أجراه أحد الطلاب مع جهة خارجية هو ما عجّل بتسارع وتيرة الأحداث، وهو ما حدا بهم للمطالبة من رئيس غرفة الفرز بإيقافه وإخراجه، إلا أنهم أكدوا ل(الأهرام اليوم) أن رئيس لجنة الفرز محمد الحسن استدعاه الأمر إلى إيقاف عملية الفرز. المهندس خضر عثمان الخضر من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قال ل(الأهرام اليوم) أمس الخميس إنه وقبل أن يتواصل فرز الأوراق من جديد فإذا بأصوات من الخارج تقتحم المجمع في كلية الاقتصاد وغرفة الفرز وتطرق على الأبواب والشبابيك، أفلحت معها محاولاتهم في كسر أحد "شبابيك" الغرفة ليقوم بعدها أحد الملثمين بحسب تعبيره برمي "ملتوف" داخل غرفة الفرز أدى لإتلاف وحرق صندوقين، أحدهما تم فرز الأصوات به والآخر لم يتم فرزه يحتوي على 253 صوتاً، وإصابة عدد من الطلاب الموجودين بالغرفة، والطلاب يسابقون عجلة إفشال الفرز، ورغم وقوع الملتوفات داخل الغرفة إلا أنهم حاصروا رئيس لجنة الفرز د.بانقا حسن الصديق للتوقيع على النتيجة قبل مغادرة الغرفة لأخذها في النتيجة النهائية. نائب والي سنار د. شرف الدين هجو الذي كالت قائمة الوحدة الطلابية الاتهامات لحزبه، دافع عن المؤتمر الوطني بنفيهم التسبب في الأحداث داخل الجامعة، وأكد في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن الاتهامات لا تطلق جزافاً، وأن الأمر كله تمت إحالته إلى إجراءات قانونية مع إدارة الجامعة للتحقيق فيه، وطالب الطلاب بالانسجام في وحدتهم الطلابية مع بعضهم لكون العنف غير مطلوب وهم داخل جامعة واحدة، والاتحاد مهمته خدمة الطلاب وليس الانتخابات في حد ذاتها مطلباً للطلاب. على ألسنتهم: الهجوم على مجمع كليات الهندسة والطب والدراسات من الناحية الشمالية للجامعة جعل الطلاب العُزل متزاحمين نحو البوابة الجنوبية للجامعة بحثاً عن مخرج، قبل أن يلف الظلام مبنى الجامعة بعد أن أقدم مجموعة من الطلاب لا تعرف هوياتهم بقطع التيار الكهربائي من "سنتر الجامعة" أثناء عمليات الفرز، إثر ذلك حاول عدد من الطلاب "الفلوتر" - غير المنضوين إلى قائمة حزبية - الاحتماء بالمنازل التي تقع على مقربة من الجامعة فراراً بأرواحهم من الهلاك أو الوقوع في أيدي الشرطة. المشهد يحكيه البعض ممن عايشوا اللحظات العصيبة أن الهرج والمرج كان التفصيلة الوحيدة التي يقر الجميع بأنها مسيطرة على الساحة. الهدوء الحذر الذي كان يخيم على الجامعة تحولت بعده ساحاتها إلى أرض معركة صغرى، أبرز المصابين كان الطالب بكلية الهندسة عمر عثمان، الريح محمد الصادق "كلية الهندسة" الطاهر صلاح منوفلا " كلية الهندسة"، كما اعتقلت السلطات خالد الفال أحد المراقبين قبل أن تطلق سراحه لاحقاً. بعض الطلاب الذين تحدثوا ل(الأهرام اليوم) قالوا إنّ غرف الطلاب والطالبات تعرضت 28 منها للحرق بالكامل بما تحويه من ملابس وأجهزة حاسوب محمول وأموال وأغراض خاصة بالطلاب، حرقاً وصفوه بالممنهج والمنتقى لغرف قيادات من طلاب بعينهم داخل مجمع سنار. الأحداث دفعت بالبعض للاحتماء بمنازل المواطنين الذين أحال بعضهم منازلهم إلى داخليات لإيواء ما يفوق 50 طالبة في بعض البيوت، قبلها كانت التوجيهات من الجهات العليا في الجامعة بإغلاق الجامعة وإخلاء "الداخليات" في غضون ساعتين. الهلع والخوف سكن التفاصيل واستشرى في أوصال الجميع، لا أحد يملك إجابة عما ستؤول إليه الأوضاع؟! إحدى الطالبات والخوف يملأ جوانحها قبل أن تنهي حديثها المختصر مع الصحيفة قالت لي: "لا توجد وسائل نقل تتجه بنا إلى خارج الولاية صوب أسرنا (كيف نمشي في الليل دا وما عندنا قروش) دا شنو البحصل دا؟! لا مسؤول ولا عميد ولا مدير جامعة يقيف على حالنا"؟!. ما أن انجلى الليل حتى اجتمعت لجنة عمداء ومدير جامعة سنار لأكثر من ثلاث ساعات مناقشة ما جرى، التوصيات حسب ما نقلها لنا الطلاب للصحيفة أمنوا من خلالها على إغلاق الجامعة وتكوين لجنة عليا للمحاسبة لمن شاركوا في حرق الصناديق والسكن، وترك الاجتماع للجنة قانونية مكونة من قاض ومستشار الجامعة ومحامٍ وعميد كلية الاقتصاد بجامعة سنار مهمة البت في القضية واتخاذ الإجراءات القانونية. يذكر أن نتائج الفرز حتى اقتحام مركز السنتر كانت: مركز سنجة الفارق 15 صوتاً لصالح الطلاب الوطنيين الإسلاميين، مركز السوكي الفارق 5 أصوات للطلاب الوطنيين الإسلاميين وكلية الطب سنار الفارق 30 صوتاً قائمة الطلاب الوطنيين الإسلاميين، قانون والدراسات الإسلامية الفارق 7 أصوات لصالح الوحدة الطلابية، الاقتصاد الفارق 30 صوتاً لصالح الوحدة الطلابية، وفي كلية هندسة السنتر سنار الفارق 437 لصالح الوحدة الطلابية، كما أكدوا أن عدد البطاقات المفقودة داخل الصندوق المحروق 200 صوت فقط.