في الثلاثين من مايو من عام 2007 جلس سفير السودان بواشنطون وقتها جون أكيج محاطاً بزجاجات الكوكا كولا في مؤتمر صحفي يتحدى فيه اقتراح الحظر الأمريكي على السودان نتيجة الانتهاكات الخطيرة في حرب دارفور وعلاقة الحكومة بمليشيات الجنجويد. بدأ مؤتمره الصحفي قائلاً "أود أن تعلموا أن الصمغ العربي الذي يحرك كل شركات المشروبات في العالم بما فيها الأمريكية، أن دولتي تصدر نسبة 80% من هذه السلعة" رافعاً زجاجة الكوكا كولا، حسب رواية صحيفة الواشنطن بوست. وسأله أحد الصحافيين ساخراً "هل يقود إيقاف السودان لتصدير الصمغ العربي إلى تدمير الدول الغربية؟" أجاب السفير "يمكننا إيقاف تصدير الصمغ وكلكم سيفقد هذا"، مشيراً إلى زجاجة الكوكا كولا. الحادثة أعلاه جزء من تداعيات الصراع الأزلي بين الولاياتالمتحدة والسودان الذي يستخدم فيه كل طرف أدواته الحربية بما جعل أمريكا تستثني الصمغ من خريطة السلع المحظورة اقتصاديا. مدلولات ومعان اقتصادية وسياسية في آن واحد حملتها الأسبوع الماضي أنباء الزيارة التي قام بها وفد الوكالة الفرنسية للتنمية لمجلس الصمغ العربي، فالسلعة التي يتميز السودان بإنتاجها ويعمل في إنتاجها خمس سكان السودان الذين يقدر عددهم بأكثر من 8 ملايين منتج في 12 ولاية من ولايات السودان بما يجعلها تعاني من تداخلات سياسية واقتصادية ترفع من أسهم سلعة الصمغ العربي التي يستحوذ السودان على مايفوق ال 80% من إنتاجها العالمي، وبالرغم من هذه الميزة التفضيلية إلا أن زراعة الصمغ العربي في السودان تعاني ما تعاني من إشكاليات تتدخل الدولة من حين إلى آخر لمعالجتها إلا أنها لا تؤتي أكلها بما جعل السلعة عرضة للتهريب إلى دول الجوار بما يجعل من نيجيريا وتشاد أكبر المهددين لإنتاجية السودان من الصمغ العربي. فرنسا التي فضلت أن يكون لها قصب السبق في تمويل مشروعات خاصة بمشاريع الصمغ العربي دون الدول الغربية الأخرى، بدت وكأنها تنظر إلى الأفق البعيد بعد أن كشفت زيارة الوفد عن أنها تستورد 80% من احتياجاتها من الصمغ العربي من السودان. سولفان الحيرة يغلف مشهد الزيارة كون الدول الغربية تتعرض لاتهامات على الدوام من السودان - لا تفتقد إلى الأرضية والأدلة - بأن الشركات الغربية والأوروبية وعلى رأسها شركات المشروبات الغذائية تتعمد عدم الإعلان عن الصمغ العربي ضمن مكونات منتجاتها للتضييق عليه وعدم الالتفات إليه كمنتج ذي قيمة غذائية عالية وحتى لا يعلن عن السودان كمُصدر رئيسي للصمغ وأكدوا في ندوة عقدت في فبراير من العام الماضي وجود ضغوط سياسية وتحفظات حول اسم (الصمغ العربي) لجهة انتمائه للعنصر العربي. وبخلاف ما ورد في التصريح الذي جاء به المركز السوداني للخدمات الصحفية عن موافقة الوكالة الفرنسية على تقديم منح وقروض بمبلغ يقدر ب 25 مليون دولار يقول الأمين العام لمجلس الصمغ العربي د. عبد الماجد عبد القادر إن المجلس دفع للوكالة الفرنسية بعدد من المشروعات والمقترحات التي تبلغ تكلفة تنفيذها ما يتراوح بين 25- 30 مليون دولار مؤكدا أن زيارة وفد الوكالة عبارة عن تلبية لطلب من الحكومة الفرنسية لدعم قطاع الصمغ العربي في السودان وأشار عبد القادر في حديث عبر الهاتف مع (الأهرام اليوم) إلى أن الوفد استطاع مقابلة كل الأطراف والجهات ذات الصلة في مجال تجارة الصمغ مبينا أن المجلس قام بدفع عدد من المقترحات والمشروعات إلى الوكالة لدراستها والموافقة عليها حسب الأولوية وأوضح أن المشروعات تشتمل على التوسع في الاستزراع ومعينات المنتجين وتطوير صنعة ومواصفات الصمغ العربي ودعم البرامج البحثية علاوة على إعانة القطاع الخاص على مواكبة المتطلبات الدولية للسلعة ونوه عبد القادر إلى أن زيارة الوفد تزامنت مع الاكتشافات العلمية التي أثبتت فعالية الصمغ كمادة غذائية ودوائية الأمر الذي يعمل على زيادة حجم الطلب عليها وأكد على وجود قفزة عالية في الطلب على السلعة وكشف عن تشكيل لجنة بقرار من وزير الصناعة يترأسها مجلس الصمغ العربي وينضوي تحت لوائها كافة الشركات العاملة في هذا القطاع تعنى بمتابعة وتطوير الصمغ العربي وإدخاله في الصناعات المحلية لافتا إلى وجود طلب مقدم من الجمعية الإيطالية للتنمية والاستثمار لإنشاء مركز لترويج الصمغ العربي بمدينة بروكسل ببلجيكا. بيد أن النظرة التفاؤلية التي يبديها الأمين العام لمجلس الصمغ العربي تصطدم بعقبات كثيرة على أرض الواقع فوفقا لخبراء فإن تأسيس الدولة لشركة الصمغ العربي في أواخر ستينيات القرن الماضي أسهم في تدهور الشركة نتيجة هيمنة الدولة على تجارة الصمغ لدعم الخزانة العامة بالعملات الحرة بما يفرض على الشركة تحقيق أرباح كافية بزيادة الفارق بين سعر البيع من المنتج وسعر التصدير في الأسواق العالمية وأشاروا إلى أن الشركة أسهمت في تخلي المنتجين والمزارعين عن زراعة الهشاب والعمل في إنتاجه بجانب الرسوم التي تفرضها الدولة على السلعة بما جعل السلعة عرضة للتهريب إلى دول الجوار بكميات كبيرة جعلتها تنافس السودان في الأسواق العالمية بجانب المديونيات التي تعاني منها الشركة على القطاع المصرفي التي فاقت تقديراتها (300) مليون بما جعل الدولة تتجه إلى هيكلة الشركة