التقيت بالأخ كرم الله عباس قبل أيام في صالون الراحل سيد أحمد خليفة.. وهو أول لقاء يجمعنا معاً منذ سنوات تخللتها ظروف وتوترات كثيرة، بسبب مقالات ناقدة رأى فيها كرم الله مساساً بحقه وكرامته كما قال، حيث أودع شكوى طرف نيابة الصحافة طالب فيها بتعويض مالي قدره مليارا جنيه سوداني بالقديم!! * قابلني الرجل يومها ببشاشة.. وتصافحنا بود.. ومودة.. قلت له إنني لا زلت عند موقفي الخاص وقناعتي، وملخصها أنك لن تستمر طويلاً في الحكم.. وإذا أمسكت بمقاليده فستدخل في دوامة صراعات لا تنتهي.. وهذا ما يحدث لك الآن!! تقبل الأخ الوالي حديثي برحابة صدر.. وأكدت له إنني قلت ما قلت وسأقول ما أراه صحيحاً دون أن يكون لي موقف شخصي ولا غرض غير الجهر بكلمة الحق والنصيحة وإن كانت مرّة.. وقاسية!! * اتفقنا على لقاء آخر في ولاية القضارف لنكمل حديثنا.. وقبل أن نفترق سألته: هل توصلت إلى حل (وسط) مع وزارة المالية حول مشاكل وهموم ولاية القضارف؟!!.. أجاب بنصف ابتسامة: (يعني!!).. ثم غادر الوالي الصالون على عجل معتذراً لارتباطه بموعد اجتماعي مسبق.. * صحبة ورفقة الوالي في تلك المقابلة ضمت الأخ الدكتور فتح الرحمن الجعلي وزير الإعلام بالقضارف، والأخ المعتمد عمر كابو معتمد محلية القضارف.. وبمبادرة منهما كنت على وشك زيارة القضارف للوقوف ميدانياً على حقيقة ما يحدث هناك.. لكن كرم الله فاجأ حتى أقرب المقربين إليه بقرار حل حكومته عبر الإذاعة المحلية بحاضرة الولاية.. * لا أود هنا إعادة الحديث عن الأسباب والدوافع التي شجعت كرم الله عباس على ممارسة هوايته المحببة في تشويه صورة الحكومة الاتحادية وإحداث حالة من الارتباك والفوضى داخل القضارف الولاية.. ما نود قوله هنا هو إنه على حزب المؤتمر الوطني أن يكون شجاعاً (أكثر من حاله هذا).. ويتخذ موقفاً يعيد لمؤسسيته قدرتها على الفعل والحركة.. لم يترك كرم الله عباس مفردة في قاموس الشتيمة إلا وقذفها وبصورة صادمة في وجه الجميع، من رئيس الجمهورية وحتى أصغر موظف في القصر الجمهوري!!.. * سبق للأستاذ علي عثمان محمد طه القول إنه (ليس محترماً الحزب الذي يقذفه أعضاؤه بالحجارة من خارج السور).. كان ذلك يوم تمت الإطاحة بالأخوين الكريمين أمين بناني ومكي علي بلايل، وطردهما من المؤتمر الوطني عقب تقديمهما انتقادات تعتبر موضوعية ومهذبة قياساً على طريقة وكلمات وشتائم كرم الله المتكررة!! * لو استقبل الأخ كرم الله عباس من أمره ما استدبر، لما وافق على قبول منصب الوالي والدخول في مثل هذه التجربة (الحارقة).. والي القضارف اكتشف أن الحكم ليس نزهة!!.. وتأكد له أن الصراخ والعويل وحده لا يجدي نفعاً في تجاوز الفشل الذي عايشته الجماهير في عهد كرم الله، الذي يبحث الآن عن مخرج مشرف وبطولي.. أن تتم إقالته أو إزاحته حتى يحفظ خطوط العودة سالما إلى مقاعده في قلب الجماهير التي قدمته ليحكم.. لا ليشتم!! * لم أستغرب طريقة كرم الله في إعفاء وزرائه ومستشاريه!!.. وأقول للوزراء والمعتمدين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بهذه الطريقة المهينة: لستم وحدكم.. فقد سبق الأخ يوسف الشنبلي والي النيل الأبيض أخاه كرم في خطوة كهذه.. لقد تم إعفاؤنا بالراديو.. وحتى لحظة قراءتك لختام هذه الزاوية لم تصلنا كلمة شكر من الأخ الوالي الشنبلي.. لا عبر الهاتف.. ولا شفاهة..!!.. لقد هان أمر الحكم وتقاليد الوظيفة الدستورية على بعض ولاتنا.. ومن هوانها أن يتم إعفاؤك بالراديو.. ومنهم من تم التخلص منه برسالة على هاتفه الجوال!! * ألم أقل لكم إن كرم الله عباس ليس وحده.. ما (خالف) به الرجل بعض ولاتنا في السودان أنه رفع صوته محتجاً.. ومن خارج السور