كتبت مقالاً مطولاً تحت هذا العنوان «أقسم عليك يا عمر» قبل سنوات مضت بخيرها وشرها.. وتقدمت به للأخ الصادق الرزيقي وكان يومها مديراً للتحرير بجريدة (ألوان) وأبلغني أن الأخ حسين خوجلي قد أمر أن ينزل المقال في مكان رئيس التحرير «لألوان كلمة» في الصفحة الأخيرة. وصدر المقال بالخط العريض فقلت الحمد لله وصلت رسالتي.. وكان ملخص الرسالة نداءً للأخ الأكرم/ رئيس الجمهورية أن يتجاوز بشعبه العظيم نقيق ضفادع المحكمة الظلامية الدولية إلى نور المحكمة الإسلامية التي يتقدم إليها رسول الله «صلى الله ليه وسلم» بطوع إرادته ويعلن براءته من أموال الأمة ومن دمائها وأعراضها.. «إن أحبكم عندي اليوم من طهرني»! ويتواضع لله ويعلن في أي خطبة يخطبها «اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا» ويعلّم أصحابه فضيلة التواضع والتوبة حتى يعلنها عمربن الخطاب داوية في ردهات مسجد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» (أخطأ عمر.. أصابت امرأة)، ثم يذهب ليقول «كل الناس أفقه منك يا عمر»!! من أين اكتسب عمر جرأة المؤمن الذي لا يخشى في الله لومة لائم؟ من قدوته محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين يأخذ بتلابيبه هذا اليهودي يريد حقه فيغضب عمر ويهم به فيقول الرسول «صلى الله ليه وسلم» «رويدك يا عمر.. كان أولى بك أن تأمره بحسن الطلب والاقتضاء وتأمرني بحسن الأداء»!! سيدي رئيس الجمهورية.. ها هو ذا الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.. وها أجد نفسي أمام حلقة من ساحات الفداء.. ومعي أطفالي.. وجدت نفسي أردد مع المجاهدين «الشهداء» أناشيد الكفاح القديم.. قلت للأولاد كل هؤلاء الآن في الجنة شهداء بإذن الله.. ثم يتضح بعد نهاية البرنامج أن هؤلاء ليسوا شهداء الزمن النبيل، وإنما هم مشروع شهداء ومجاهدين استجابوا لنداء هجليج. فقلت.. إذن.. فقد «عدنا» بعثنا من جديد.. بنفس الملامح والنشيد. وها أنا أكتب من جديد.. مع تجدد العهد الرشيد. سيدي رئيس الجمهورية. الله ينظر من عليائه لحالة الهرج والحيرة والضياع للأمة التي حمّلها مسؤولية شهادتها على عصرها «لتكونوا شهداء على الناس»! فأصبحت مشهوداً عليها.. محكوماً عليها، وظلت تماثيل ملوكها ورؤسائها تتهاوى وتتساقط واحداً تلو الآخر فيما سمي بالربيع العربي، إلا أنت يا سيدي، لأنك لم تصنع لك تمثالاً، نجوت من القوم الظالمين. لا بل نحن كنا في المقدمة.. كان ربيعنا قبل ربيعهم.. وكان هتافنا قبل هتافهم وكانت هدايتنا ورشدنا.. ومع ذلك «منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة»! سقطنا في الفتنة حتى خشينا الله أن يصدق فينا قول ربنا عن ثمود «وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى»! والآن يا عمر.. ها أنت تعود ونحن نعود لدرب الجهاد والصمود.. اعلم سيدي أن شعارك في عهدك الجديد هو قول ربك «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وعليه تذكر «يا داؤود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله». كتبت في مقالي وقلت إننا لا ننتمي ليوتوبيا المدينة الوهمية الفاضلة، مدينة الصالحين الذين لا يعرفون الفساد، إنما نحن الخاطئون بكل جدارة. ولكننا المستغفرون التوابون بكل جسارة. فرب طاعة أورثت عزاً واستكباراً وأخرجت الشيطان من رحمة الله إلى الأبد.. ورب معصية أورثت ذلاً وانكساراً وأدخلت آدم في رحمة الله «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه». ولقد كتبت في مقالي وزعمت أن رئيسنا وحاكمنا هو أفضل حكام الأرض عند الله من أعراب وأعجام، أهو أم حماة البلد الحرام! ولست وحدي شاهداً، فالناس كلهم يشهدون.. يا سيدي.. إنك تذكر اسم الله في خطابك وتصلي على رسوله الكريم، وهم لا يفعلون!! وأنت تخرج بصدر عارٍ إلا من الإيمان تخاطب شعبك وليس بينك وبينه حجاب.. وهم لا يستطيعون!! من أجل ذلك سقطوا وما يزالون يتساقطون، ووقفت وحدك أمام العاصفة.. وليس لها من دون الله كاشفة. الآن يا عمر .. علمنا الانتماء لسيد المرسلين التواب.. ذكرنا بسيرة سادتك العمراب.. عمر.. وعمر بن الخطاب.. من أجل أن أقوم في الناس مبشراً، بعارض ممطرنا، بخريف آتٍ بسبع سنبلات خضر وأخر مثمرات.. أقسم عليك يا عمر.. أن يرجع مسارنا لوزارته يحمل عنك أوزارها.. فو الله ما علمت رجلاً أحرص عليك منه.. وتعود بلقيسنا لعرشها.. فوالله قد أوتيت من كل شيء ولها شأن عظيم.. أقسم عليك يا عمر فلا ترد قسمي.. ولا تخيّب فيك رجائي.. فإن فعلت فلا أملك إلا دعائي. { مخرج.. هذا المقال بقلم الأستاذ عبدالمنعم الزين.. معلم وإمام وخطيب