في الوقت الذي تتكاثر فيه الأعباء والمسؤوليات الجسام على كاهل الصحافة السودانية في هذا المنعطف الخطير من عمر بلادنا نعى الناعي أحد رموزها الكبار وأحد بُناة تاريخها الوسيط والحديث الأستاذ الصحفي الكبير حسن الرضي الذي وضع بصماته من خلال عمله في العديد من الصحف التي عبّرت عن تيار مهم وسط القراء ووسط الصحافة السودانية في مراحل وحقب مختلفة من تاريخها في العقود الماضية. يتعاظم فقد الصحافة السودانية لابنها الأستاذ حسن الرضي أيضاً لأنه ظل وفياً لسنوات طويلة من عمله لأدبياتها، ومستمسكاً بإصرار غريب على تقاليدها الموروثة، حيث كنت أحد المحظوظين الذين عاصروه عن قرب وتتلمذوا على يديه ووقفوا من خلال حكاويه على فصول ومشاهد من سيرته الذاتية التي يصُعب فصلها من تاريخ الصحافة السودانية وحكاياتها ومشاهدها بأي حال من الأحوال، وكان ذلك بالمؤودة «الحياة السياسية»، حيث رأيت طوال ثلاث سنوات من المتابعة والمعايشة قدر حرصه العظيم على التقاليد المهنية الصُحفية الجوهرية والشكلية والتي ظل على الدوام حافظاً لها برغم تطاول السنوات والعقود وتدخلات عوامل الزمن بأشكالها المختلفة على شخصيته. فقد ظل مداوماً على الحضور إلى مبنى الصحيفة باكراً مهندماً بالزي الأفرنجي الكامل بادئاً بتجهيز الماكيت الورقي الذي يصممه بيديه على شكل صحيفة بحجم مصغّر وموزعاً على عدد الصحفات المثبتة بأرقامها المعروفة من الصفحة الأولى للصفحة الأخيرة. ومن أمثلة حرصه على التقاليد الإدارية التحريرية رفضه نشر أية مادة لم يتم تمريرها على رئيس التحرير أو مدير التحرير مهما كانت درجة أهميتها، حيث ظل مستمسكاً بذلك حتى في صفحته الأسبوعية التي كان يشرف عليها. بذا يكون نعي أستاذنا الراحل حسن الرضي وبيان حجم الفقد الذي خلفه رحيله الحزين هو نعي لأحد أعمدة عرش الصحافة السودانية الذي ظل طوال حياته حامياً لها من السقوط والانهيار والتشتُّت والضياع. ولعلني كنت من آخر الصحفيين الذين هيأت لهم الأقدار زيارة الراحل قُبيل اسبوعين من رحيله في مقر سكنه وهو على فراش مرضه الأخير وسط رعاية واهتمام إخوته وآله وعشيرته بحي الشويحات بالمدينة الحبيبة إلى قلبه الأُبيض، التي خطّ في حبها كتاباً عنوانه: «عروس الرمال خواطر وذكريات». رحم الله أستاذنا حسناً، فقد ظل حسناً وهادئاً ورضياً ووضيئاً، قليل الغضب وكثير الصمت، وندعو الله أن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أبناءه وذويه وتلاميذه الصبر وحسُن العزاء. أحمد عمر خوجلي لم أجد ما يسكّن وجع قلبي في هذه السانحة سوى دمعة تتشبث بي واتشبث بها.. لقد فقدت جزءاً لا يستهان به من ذاكرة تاريخي الصحفي: أستاذي حسن الرضي .