شكراً للغائب الحاضر دوماً عاطف خيري وهو يهدينا كتاب الحنان: «وعندما يحنُّ الرجلُ يحدثُ أمرٌ ما في النسيج النفسيّ والعضويّ منه.. بل أيضا في المكان والزمان حوله، شىء أقرب إلى الكيمياء القديمة. عندما يجتهد العالِمُ في استخراج الذهب من معادن خسيسةٍ، تجده مهووساً بالبحث عن شيءٍ هو في حكم العدم، أو تراه يهتبلُ الفرصةَ لاقتناص سريرته في سعيها إلى ما تبتغي.. وهو في كلِّ الأحوال ناقص.. ومعرض للعطش. يقولُ محمد المهدي المجذوب: أريد أن أكون واحداً مُبرّأً من الصباح والدياجر ولا أكون حاجةً ساعيةً لآخر وفي خَلق الإنسان بشكله الآدمي المعروف فكرة.. أصيلة.. هى الحاجة والفقد.. فإذا هو فرد يديه أحدث فراغاً، وكذلك رجيله. أنظرُ إلى أصابع كفّه المتفرقة، وفمه الفاغر بالنداء كل ما فيه يدعو للالتحام، تلك الجهاتُ وغيرها من الجسد يقطنُها الحنانُ كما يقطنُ الليلُ في الليل. أما إذا حنّت الأنثى فإنك واجد سراً من أسرار الحرفين كافاً ونون و«كُن» هى مفتاح الوجود والفناء معاً، وهى سرُّ اللغة حينما تزدهي بقوة الفعل وقدرة التكوين وإجابة الطلب. وحنينُ الأنثى يقعُ بين الحرفين، في موضع لا يخص الكاف ولا ينتمي إلى النون، وموقعه هذا زماني وليس مكانياً، لأنه لا يُخْتبر ولا يُقاس بأدوات المكان كادت الأنثى تكون كلها حراماً لولا اللبْس في موضع حنينها بين الحرفين والحنينُ لديها ضرب.. من المرض.. المرض اللطيف يصيبها فينتقل إلى الجمادات والنبات والحيوان من ثم الإنسان من حولها. ويستشعر المعنيُّ وإن كان في حكم الأموات. والحنان الذي نعْنيه هنا الدَّفقُ الابتدائي النقي.. عندما يجاهدُ الطينُ لأن يغدو ناراً، والنارُ لأن تغدو طيناً. ذلك الحنان الغريب، غير مدَّعٍ ولا مبتذل.. هو عند الأنثى يمنحها قدرة الاختراق والوصول وكشف سُدف الغيب والنظر إلى ما بعد الظاهر، بل يجعلها حاذقةً في حَبْك الحِيَل وسُبل الامتلاك وورود بئر من تُحب.. لأن الحنان عندها يبدأ مُهرّجاً وشيطانياً.. إلى أن يبلغ رشده ويتوب إذا ما غدت أمّاً.. والحنان لدى الأم مشهود.. ومعلوم وهو باب أفضى بها إلى الجنة»