قبل سنوات كنت ذات شهوة صحفية تطعمني لذّاتها أشهى المواضيع، إن كانت عن طريق المتابعة أو الحوارات، وكم أعشقها لأنها تفضح لك - عبر خيارات الأجوبة - الشخصية التي تحاورها إما بالحسنى أو.. أو عن طريق الأخبار.. وملت اجتماعياً وفنياً لضمان الوصول بسلام إلى قواعدي - دوما. ولابد للباحثات عن السبق الصحفي الاجتماعي الدخول إلى دار المايقوما كبوابة لقصص أجتماعية حقيقية لا تحتاج لأي إخراج سوى الكتابة. وكان في ذاك الزمان أن دخلتها بل وتطورت علاقتي بالقضية لدرجة التعاون مع منظمة شريكة في الرعاية بأطفال المايقوما.. عفواً كثرت التسميات التي ينسبون بها بدءاً من الأيتام وحتى فاقدي السند.. ولا أعتقد أنهم فاقدو السند بكل الدعم الذي يُمنح لهم ! ثم تقطع بي الوصال لاهتمامي بمن يخصني من الأطفال! حسن حظي الصحفي جعل ثلاثاً من جاراتي يعملنّ في وظائف مختلفة بالدار، إن كانت إدارية أو عمالة.. مما أتاح لي متابعة عن قرب لأحداث داريْ «المايقوما والمسنين» ولأن معظمنا يتحدث - خارج الرسمي - بفم مفتوح أكثر، أعرف من القصص الإدارية غير المصرّح بها رسمياً ما لا يصدق أبداً.. من التجاوزات والإهمال والتلاعب غير المبرّر بكل ما يخص هؤلاء الأطفال باعتبارهم - وهذه حقيقة - وصمة اجتماعية تعيب توجهات الدولة الداعية للعفّة والزواج الجماعي ...الخ ما طفا الآن على سطح الصحف والإذاعات عن الإطاحة بالدكتور«محي الدين الجميعابي» القيادي المعروف منذ ظهور الإنقاذ، ومدير أو صاحب المنظمة الشهيرة للأطفال «أنا السودان»، بشكل لا يتناسب وحجم الموضوع كما جاء على لسانه، إنما هو تطور طبيعي للخلاف القديم جداً بينه والوزارة في ما يتعلق بطريقة إدارته للدار، حيث - وهذا ما يُتداول بشكل غير رسمي - ترى الجهات الرسمية أنه يتم استخدام الأطفال بشكل محرج للحصول لهم على معونات من أهل الخير والمنظمات والمانحين.. وترى إدارة الدار أن هذه هي الطريقة التي يجب - كان - أن تعكس بها مشكلة أطفال المايقوما عبر عرضهم على شاشات الفضائيات السودانية وأغنيات الحب المجتمعي. وقد لا نختلف أن كثيرين جداً جداً انتبهوا عبر تلك الطريقة لمنطقة المايقوما، بل وزاد عدد الأسر البديلة أو المتبنية لهم لتيسير نشوئهم في جو صحي ومعافى أسرياً، ولتأكيد رسالة أنهم لا دخل لهم في ما يحدث وحدث! لكن لم تقلل من مدخولهم النسبي للدار! ونتفق كذلك أن اتفاقية حقوق الطفل تلزم أية دولة بحماية الأطفال عموماً - وخاصة أصحاب القضايا - من الوصمة الاجتماعية بنشرهم عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية ولأي غرض كان.. وبما أن السودان مصادق وموقع عليها فيجب بما لا يدع مجال لمجاملة (حسن النوايا) أن يتم ذلك، خاصة وأننا في مجتمع يهتم بالوصمة أكثر من الحق والحقائق الدينية والإنسانية. الآن فقط انفجر بالون «هيليوم» اختلاف وجهات النظر في إدارة مرفق هو نفسه مختلف عليه.. على لسان د. الجميعابي «إن البعض يخجل من الدار ويود إغلاقها تماماً خاصة بعد زيارة السيد رئيس الجمهورية لنا!» إن إدارة الرعاية الاجتماعية المسؤولة عن (دار المايقوما للأطفال) و(دار المسنين) التي ترفض التعليق لحين تدابير أخرى - وربما حلف اليمين للحكومة الجديدة - تعرف تمام العلم أن هاتين الدارين محفوفتان بالخطر الاجتماعي والإنساني جداً لدرجة منع الكثير من المخبرين الصحفيين تناول موضوعات عميقة بمشاكل والتزامات الدارين.. لذلك فإن الصمت في مثل هذه الحالة بجانب الوضع الصحي المتأزم للأطفال يضع علامات التعجب على موقفها وعلامات التعاطف على موقف د. الجميعابي، ويضع المشكلة الأساسية في مسألة رعاية الأطفال مجهولي الأبوين بين «سرج» الإشاعات و«مخلاة» الأسرار والمسكوت عنه، وتقع أرواحهم الأطفال ضحايا للأنانية والفردية. كثيرٌ ومتداخلٌ جداً وذو خفايا وخبايا الحديث عمّا حدث - أو يحدث - يترك الأسئلة مفتوحة على خيال خصب مزروع بشياطين الأنس (أهل القيل والقال) وبالكاد لا نستطيع إلا أن نصدق كل الاحتمالات!