ظل الدكتور فيصل القاسم مقدم برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة الذي يتم بثه مساء كل يوم ثلاثاء أسبوعياً منذ تأسيس القناة في النصف الثاني لتسعينات القرن الماضي بدولة قطر، ظل يحقق في كل حلقة المزيد من النجاحات، ويأتي ذلك بسبب أن البرنامج يأتي في دفقات حيوية ساخنة وأكثر جرأة، وذلك بسبب جهده في استقطاب العديد من أصحاب الرأي في الوطن العربي، حتى إن كانوا مقيمين في أقصى أرجاء الدنيا. وقد ظل د. القاسم والجزيرة يحققان بذلك نجاحات عديدة، مهما كان تقييم عامة الناس للقناة، ذلك أن د. فيصل ظل يبحث ويحاور في المسكوت عنه سياسياً بوطننا العربي، ويعطي براحات متسعة للرأي والرأي الآخر، لدرجة كان يصل فيها المتحاورون إلى نقطة انفعال واضحة الملامح في العديد من القضايا العربية والإسلامية الشائكة. ولأن فيصل القاسم ظل يضع محاوريه فوق حديد ساخن، فإنني من خلال فترة عملي بالعاصمة القطرية الدوحة كمراجع مالي لوزارة الخارجية القطرية، فضلاً على التواصل في الكتابة الصحافية عن قضايا السودان من خلال الصحف القطرية والخليجية والسودانية أيضاً، رأينا أن يكون فيصل القاسم ضيفاً على صحافة أهل السودان، بسبب أن شعبنا يعشق السياسية، للدرجة التي مات بعضهم من أجلها وقد كانوا مرفوعي الرؤوس. والقاسم ليس ضيفاً علينا فحسب، بل لقد أمطرناه بأسئلة ربما تكون أكثر سخونة من برنامجه الأكثر شهرة، فاتفقتُ معه أن يكون ضيفاً في بيتي أو في بيته بالدوحة لنتحاور، لكنه اختار أن يكون مسكنه، وهو فيلا أنيقة تستأجرها له قناة الجزيرة، بمثلما كانت الخارجية القطرية تستأجر لي مثيلتها إبان فترة عملي بها، فذهبت له ذات مساء ومعي مصور صحيفة الشرق القطرية (طمبل السوداني) التي كنت أحرر بها صفحات السودان الأسبوعية خلال تواجدي بالدوحة لخمس سنوات... فإلى مضابط الحوار : { هنالك يا دكتور القاسم اتهام آخر حول برنامج الاتجاه المعاكس وهو عدم إتاحة اكبر قدر من الحلقات حول موضوع محدّد ربما لا تكفيه حلقة واحدة أو فرصة واحدة للتحاور، وبالتالي يحدث إنهاء للبرنامج فجأة بطريقة CUT DOWN بسبب انتهاء زمن البرنامج وليس انتهاء أركان الموضوع المطروح للنقاش والذي ربما يكون متشعباً ولم يستنفذ أغراضه بعد، وبالتالي تكون النتائج غير إيجابية، فلا يستفيد المتحاورون ولا المشاهدون من الحلقة المحددة، فلماذا يتم قتل الموضوع وهو لا يزال حياً وقابلً للتحاور في حلقات أخرى، حتي ولو كان ضيوفك شخصيات أخرى للتحاور في ذات الموضوع في حلقات أخرى، فماهو ردكم على هذا الإتهام؟ - أنا معك في هذا الشأن تماماً، ولا نمانع من أخذ هذه النقطة في الاعتبار، فإقتراحك وجيه جداً ومنطقي جدا أيضا، لكنني أكون صريحا معك الآن في هذه النقطة، فقد لا نجد شخصيات مناسبة نواصل معها الحوار في موضوع محدد وبذات الحيوية والقدرات الإقناعية، فنحن نجد صعوبة شديدة في إيجاد شخصيتين مناسبتين ذات كفاءة عالية وذات مقاييس معينة ومهمة تثري الحوار، خاصة وهو على الهواء، وتقنع المشاهد حول الموضوع المطروح، فنحن نموت حتى نلقى شخصيات مقنعة ذات مستوى معين وبمعايير محددة يتطلبها البرنامج، وأحيانا لا نجد الشخصية المناسبة مطلقا في الوسط العربي. { قلت له مقاطعاً... يعني هل تعانون وتتعبون في البحث عن إيجاد الشخصية التي تناسب معايير البرنامج وسمعة قناة الجزيرة .؟ - نعم... توجد معاناة قاتلة، فثقافة التعدد نادرة في الوطن العربي، لأن ثقافتنا هي ثقافة الرأي الواحد والاتجاه الواحد، فنحن نتعب كثيرا في البحث عن هؤلاء المتكلمين، ونحن في سوريا لدينا مثل عامي مشهور يقول (تبحث بسراج فوفتيللي) أي بضوء ضئيل كما تبحث عن الإبرة في كومة قش، ومن وجهة أخرى هناك شخصيات مقنعة ومهمة جدا، لكنك تتعب في الحصول عليها وإحضارها إلي البرنامج، ولأننا الآن في الوطن العربي داخلون في جو حواري جاد. وأعطيك مثالاً آخر: هناك في بعض الحلقات قد لا نستكمل الحديث في الموضوع المحدد، ولكن في حلقات أخرى قد نجد أناساً يتحدثون في ذات الموضوع وبكفاءة عالية في مناسبة أخري تعيدنا إلى خطوط حلقات سابقة، فمثلا مسألة التطبيع مع إسرائيل، تم طرح الموضوع مع شخصيات مختلفة لأكثر من عشر حلقات مختلفة الأطروحات في الاتجاه المعاكس، ولكنها تتحدث في ذات الأمر بطريق أو بآخر، وفي كل حلقة كنا نطرق لونا جديدا وهدفا جديدا، فالموضوع نفسه شائك ومعقد وطويل وأحداثه متعددة ومتلاحقة ومتجددة، أيضا موضوع القومية العربية ناقشناه في عدة حلقات، وكذا الأمر في مواضيع العولمة وعصر التكتلات، وعموما أنا لا أختلف معك في موضوع طرح الموضوع المحدّد لأكثر من حلقة واحدة حتى يفي الغرض تماماً. { يتهمون برنامج الإتجاه المعاكس بأنه قد أصبح برنامج علاقات عامة، يأتي ببعض مفكري الحكومات العربية في مقابل شخصيات معارضة ضعيفة الطرح لتغليب وجهة نظر محددة على أخرى، ما قولك في هذا الإتهام الذي بات واضحا الآن حيث يرى البعض أن قناتكم أصبحت تشبه التلفزيونات الرسمية للدول التي تكثر من المدح عن منجزات النظام الذي يحكم، ولا ترمي بالاً لإخفاقاته مطلقاً فيغادره الجمهور للفرجة في قنوات أخري أكثر ليبرالية وتعددية في الطرح وقول الحقائق مجردة كما هي، مع الأخذ في الإعتبار رأي الحكومات أيضا؟ - والله يا باشا أنا أقول عكس هذا الإتهام تماماً، فإن كانت لديكم أي حلقات تمثل هذا الإتهام أرجو أن توردوها لنا دون تحفظ، لذلك اقول لك إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة مطلقا، فدائما يكون في البرنامج طرف من الحكومة ويكون هذا الضيف متحفظا جدا في طرحه، أو حتى جبانا جدا في بعض الأحيان إلا ما ندر، بينما يكون الضيف أو الطرف القادم من المعارضة لهذا النظام الذي يمثله الطرف الحكومي في البرنامج وهو معارض يكون في الغالب قادما من لندن أو من أي عاصمة غربية مفتوحة الحريات، فيأتي بثقافة التعدد وسعة الإطلاع المتاح، فيمسح بالطرف الآخر الأرض وبحكومته أيضا بحكم تجربته الثرة في مثل تلك الآراء وبذلك الجو المتعدد الذي يعيش فيه بالخارج . وأنا أعطيك أمثلة على ذلك . { من المحرر : يا ترى ما هي الأمثلة؟، ومن هم الشخوص والدول والذكريات؟، ذلك نجده في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة مع الدكتور فيصل القاسم - ونواصل -