يعتبر السودان من الدول الرائدة في القارة الأفريقية ومن المؤسسين الأوائل لمنظمة الوحدة الأفريقية السابقة التي حل بدلاً عنها الاتحاد الأفريقي الذي اوكل إليه مهام القارة الأفريقية للفصل في النزاعات السياسية بين بلدان القارة. ولكن في ظل التوتر والحذر الذي تشهده دولة مثل السودان تعاني من أزمات سياسية طاحنة ربما عجلت بقطار انشطاره إلى شقين (شمالي جنوبي) يمثلان كليهما دولة بكامل السيادة والحدود الجغرافية. إن الأزمة في السودان ليست أزمة تقسيم الثروة والسلطة على أساس التوزيع الجغرافي في المناطق التي تحتاج إلى المزيد من التنمية والإعمار ولكن أن الأزمة الحقيقية هي أزمة (تقبُّل الآخر) على أساس أنهم مواطنون سودانيون يتمتعون بكامل الحريات والحقوق المكفولة تحت نظام ومظلة سيادة الوطنية تقبُّل الآخر وتعترف به لا تميزه. وفي ظل كل ذلك شهدت الساحة السياسية السودانية العديد من الخلافات الداخلية التي قد تساعد في تكوين (أجواء ملوثة) تصب المزيد من الزيت على نار الوحدة محدثةً طامة كبرى تؤدي إلى إشعال فتيل الحرب بين أبناء الوطن الواحد قبل أن يتمزّق ويصبح مثل كوريا الشمالية والجنوبية التي أدت خلافات فيها إلى انفصال كليهما عن الأخرى وكذلك الانقسام الذي حدث في دول الاتحاد السوفيتي السابق الذي بفعله أدى إلى تكوين دول صغيرة وهشّة ولا تتمتع بمقومات الدولة. وأن دولة مثل السودان تعاني من الصراعات منذ عقود طويلة ولم تمنعها الصراعات والأحداث في أي شيء يعكر صفو الوحدة ويعجل بانفصال أبناء القطر الواحد بعدما كانوا يعيشون في ظل دولة واحدة وشعب واحد وعلم واحد. ومع كل ذلك تسعى الدولة سعياص حثيثاً في (لملمة) آخر ورقة فيها أمل الوحدة وخلاص البلاد من شر الانفصال وعواقبه. فلم تقصّر حتى الآن الحكومة في إنهاء الحروب التي كانت في العهود السابقة والتوصل إلى سلام يرضي الجميع، فدونكم مثالاً الاتفاقيات التي وقّعت مع عدد من الفصائل العسكرية المسلحة التي تمردت عليها (فصارعتهم وصارعوها) في ميادين المعرفة فلم يخسر الجميع وخسر الوطن شباباً وموارد باهظة فان الأولى بها عمليات التنمية والعمران بدلاً من الدخول في حروبات خاسرة لا طائل فيها ولا كسب فيها لأحد. وليعلم الجميع أن جميع الحركات المسلحة في العالم التي تقاتل الحكومات في كل أنحاء العالم لم تنتصر بالسلاح على الحكومات فكانت الخسارة الباهظة بين الطرفين المتحاربين التي كلفتهم ملايين الدولارات كانت كافية بأن تعيشهم في نعيم بدلاً من جحيم الحرب في حساباتها وخسائرها. وما فعلته حتى الآن الحكومة من أن أجل أن تكون الوحدة هي الخيار الجاذب لأبناء الشعب يكفي وهذا دورها ولكن التاريخ لا يرحم من يتلاعب بنار الوحدة فكما تقول المقولة المشهورة المأخوذة عن رواية (دموع القمر) «إن الوحدة يصنعها الشجعان ولكن يغدر بها الانتهازيون»، فهذه الوحدة التي نريدها لم تكن سهلة المنال وليست حلماً بعيداً. ظل الشجعان، أينما وجدوا، في كافة بقاع السودان يحلمون بأن يعيشوا تحت راية هذا الوطن وتحت سيادة هذا الوطن حاملين في قلوبهم كل الخير لهذا البلد. ولكن هؤلاء الانتهازيون الجبناء الذين يسعون (ليل نهار) في أن ينهزم السودان تحت (أحذيتهم) النتنة التي اشتروها من كيان دول الغرب الداعم الحقيقي لهم. ونقول لهم أنتم واهمون لا تحلموا بأن تدنسوا كرامة البلاد وسيادتها تحت إمرة (دخيل أجنبي) يريد المزيد من الانقسام لدولة السودان فكانت الحكومة لهم بالمرصاد بكافة السبل والطرق (الميدانية والقانونية) فاذهبوا بعيداً بشرِّكم هذا ودعوا الشعب يختار مصيره بنفسه دون معوقات ودون إملاءات ليقرر بعدها أن الوحدة الكاملة الشاملة مع الشمال أو انفصال أعمى منتوج عنه حروبات وقبلية داخلية وعندها سوف تندمون كثيراً وتختلط عليكم السبل كثيراً فساعتها لا ينفع الندم ولا ينفع البكاء على اللبن المسكوب ولن تطولوا بلح الشمالية ولا قطن الجزيرة ولن تلتئم الجرة مرة أخرى بعد كسرها ولن يرجع حليب (الماعز) إلى الضرع مرة أخرى فالعاقل من اتَّعظ بغيره واللبيب بالإشارة يفهم.