تقول الأسطورة اليونانية القديمة، إن الشاب (نرسيس) نظر في الماء الراكد؛ فوجد نفسه جميلاً، وأعجبه شكله، فبقي ينظر إلى انعكاس وجهه على سطح الماء ويتأمله حتى ذبل جسده وتحول إلى نبات (النرجس)، ومنذ ذلك الحين عرف العالم النرجسية وحب الذات، وتطورت مع الأبحاث والدراسات النفسية حتى أصبحت مصطلحاً متعارفاً عليه. وعليه، أصبح للمرآة دور كبير في حياتنا جميعاً، وبالأخص نحن معشر النساء، وتعرف المرآة بأنها أي شيء يمتلك خاصية السطح العاكس، وكلما كان أنقى وأصفى؛ كان أفضل. ويقال «إن المرآة لاتكذب»، وأنها «بيت الزمن» الذي يطل بعلاماته عبر نافذتها، ليرسم ملامح العمر، ويعكس آثاره، وهي بمثابة عرابة علاقة الحب والإعجاب بين الإنسان ونفسه، وانعكاسها إثبات لأننا حقيقيون وموجودون. والعلاقة بين المرأة والمرآة على وجه الخصوص، علاقة عشق وولع، والاثنتان لا تفترقان إلا لماماً، فهي في الحمام، والدولاب، وحقيبة اليد، ومدخل الغرفة، والمرآة هي الشاهد على جمال المرأة الذي يصبح من دون اعترافها بلا دليل. والملاحظ أن المرأة في صباها المبكر غالباً ما تربطها علاقة ودية متوازنة مع المرآة، بمعنى أن علاقتها بها لا تكون متطرفة تبلغ حد الإدمان والإفراط، ولا هي عادية وباهتة، غير أن مع تقدم العمر بالمرأة؛ تصبح أكثر لجوءاً للمرآة من السابق، وكثيراً ما تحاول من خلالها البحث في أعماقها، بالإضافة للاطمئنان على شكلها الخارجي. في علم التمثيل تعتبر المرآة ضرورة لتمرين المخيلة، والتعايش مع الشخصيات، والتدريب على الحوار، ولكننا في حياتنا العادية أحياناً نلجأ كذلك للتخاطب مع المرآة، باعتبارها طرفاً ثانياً أياً كان مسمى هذا الطرف، وإحساسنا به، فهي أحياناً صديقة، وأحياناً عدو نكيل له الاتهامات وننال منه، وأحياناً حائط للمبكى، ربما لهذا صارت المرآة ضرورية في علاج الكثير من المشاكل النفسية والعصبية. واعتياد النساء على استخدام المرآة باستمرار وحرص، لا يعفي الرجال من هذه العادة، فالعديد من الرجال يولون أنفسهم عناية فائقة، ويهتمون بالاطمئنان على شكلهم العام عند كل مرآة تصادفهم، وكما يؤكد علماء النفس؛ فإن النرجسية موجودة لدى كل البشر بدرجات متفاوتة، وما هي سوى حالة يمر بها الإنسان ويتخطاها ليمر بأمور أخرى عاجلاً أو آجلاً، ويجمع علماء النفس على أن علاقة الإنسان بالمرآة هي في الأساس نوع من هذه النرجسية وحب التميز والبحث عن الكمال. وفي الغالب تزداد علاقة المرأة بالمرآة متانة وخصوصية عند عمر المراهقة، لتحدد ما تريد أن تكون عليه كامرأة ناضجة، بما يتوافق مع أهدافها، وطريقة تفكيرها في أمور الحياة المستقبلية، فالمرآة عموماً تعكس الصورة المعنوية التي يكونها الإنسان عن نفسه، فإذا كانت صورتنا عن ذاتنا إيجابية؛ فنحن نسر بالنظر إلى المرآة، وهذا قد يبدأ في عمر مبكر، والمراهقة تشكل مزيداً من الوعي لما عشناه في طفولتنا، ونبدأ حينها في البحث عن هويتنا بمشاركة المرآة، لهذا نركز على مظهرنا كثيراً، وعلى كيف نكون ملفتين للانتباه. وعن ارتباط المرأة بالمرآة أكثر من الرجل؛ فهذا مرده في الأساس لكوننا مجتمعاً شرقياً يركز على المظهر، وبما أن المرأة هي رمز الجمال؛ فهي تستعين بالمرآة دائماً لتطمئن على شكلها وتحاول أن تجعل جمالها حقيقياً كما يجب. وكثيراً ما يتوقف انعكاسنا في المرآة على أفكارنا ونظرتنا للأمور، فمن يتأكد من أنه محبوب ولافت ومقنع؛ يرى نفسه جميلاً، وتصبح علاقته بالمرآة جيدة، لهذا في حالات الغرام وقصص الحب ننظر كثيراً إلى المرآة، برضا وسعادة وحب، وعلى حسب ثقتنا بذواتنا يكون شكلنا كما نراه على المرآة، ولكن علينا أن نتذكر أن لكل عمر جماله وجاذبيته وأحلامه، ولا شيء أجمل من أن نقبل أنفسنا كما هي، وأن نعيش مع مظهرنا الخارجي برضا واقتناع على أساس أننا نحن من نعطي هذه الحياة معناها ورونقها، لذا فلنحب حقيقتنا كما هي.. فالمرآة أحياناً لا تعكس الحقيقة. تلويح: مداك اتعدى حد الشوف هواك اتحدى جوَّه الجوف.