كانوا يشبِّهون الحبيبة حينما يكون جمالها في قمة عنفوانه، وضاجاً ومتألقاً، بأنها (قمر 14) بيد أن هذه الشاعريّة في الرؤية تصاب بشرخ، إذ يُعتقد أن (قمر 14) يؤثر شكل لا لبس فيه، في سلوكيات الإنسان، حيث يقود اكتمال القمر إلى العنف والجنون. حينما كنا صبية كانت الأيام القمرية تعني لنا اللعب والأنس وسرد الحكايات إلى ساعات متأخرة من الليل. ما زالت راسخة في الذهن مقولة الشاعر الكبير الراحل أستاذنا مصطفى طيب الأسماء - عطر الله ثراه - حينما استقرّ المقام به معلماً بمدينة سنار، وكان لنا شرف انتمائه لرابطة سنار الأدبية، وكنّا أيامئذٍ نجمّد نشاط منتدياتنا المسائية في الخريف، وقد نصحنا طيب الأسماء أن نختار في كل شهر من أشهر الخريف (الليلة القمرية) لنقيم فيها نشاطنا المسائي، إذ كان لديه اعتقاد جازم بأن الأمطار لا تهطل فيها. عملنا بمشورته واخترنا ليلة مقمرة أشد سطوعاً، وكانت فيها السماء صافية والنجوم ترصعها، وكان الحشد كبيراً في تلك الأمسية، بيد أن سعادتنا لم تكتمل، إذ بعد ساعة من البداية تلبد الجو واكفهرّ وهبّت (كتّاحة) حملت معها سحباً سوداء لا ندري من أين جاءت بها، وهطلت أمطار غزيرة لم تشهدها المدينة من قبل، وهكذا أصبحت المشورة القمرية لشيخنا الجليل طيب الأسماء، آنذاك، مثار جدل بين أسرة رابطة سنار الأدبية، يأخذ منحى الطرافة التي تزينها ضحكات شيخنا وأستاذنا. ألا رحم الله شاعرنا الفذ صاحب التواضع الجم «مصطفى طيب الأسماء»، تلك ليلة قمرية سنارية تذكرتها أول أمس والعاصمة يعانقها (قمر دورين) ومع ذلك لم تسلم من (الكتّاحة) والأمطار. إن قمر (14) يعود بي أيضاً إلى ذاك الفيلم الذي شاهدته في السبعينات من القرن الماضي، وتلك المشاهد حينما يعوي بطل الفيلم وهو ينظر إلى راحتي يديه وقد كساهما الشعر كعلامة أولى لتحوله إلى ذئب والقمر يقترب من تمامه. إبان مطالعتنا لعدد من الكتب وجدنا أن هناك اعتقاداً بأن للقمر قوة وتأثير على اضطراب سلوك الإنسان منذ العصور القديمة، فكلمة (جنون) مشتقة من (لونا) وهي آلهة القمر عند الرومان. امتدت نظرية (جنون القمر) إلى القرن التاسع عشر حيث كان نزلاء مستشفى المجانين في لندن يُربطون ويُقيدون بالسلاسل بل ويُجلدون بالسياط عند اقتراب موعد اكتمال القمر، كإجراء ضد زيادة الهيجان. وفي دراسات لبعض الباحثين في نهايات القرن الماضي رصدوا فيها أن حالات العنف والمشاحنات والانتحار تكثر عند اكتمال القمر، ولكن من ناحية أخرى هناك دراسات تؤكد أن تلك الحالات لا صلة لها بأحوال القمر. ووفقاً لنظرية (الأمواج البيولوجية) التي تقوم على أن جسمنا يتكون في 80% منه من الماء، لذا فإن القمر يجذب سوائل جسدنا كما يفعل في المحيطات، وهناك نطرية أخرى تؤكد أن القمر يؤثر في الطقس، إذ أجرى المعهد القومي الأمريكي للأرصاد دراسة في السبعينات ووجد أن هناك زيادة في الأمطار بنسبة 10% في الأيام التي تلي ظهور قمر جديد أو مكتمل.. فهل نحن على موعد مع زيادة هطول أمطار في الأيام القادمات لتصبح أمطار خير وبركة على الحكومة الجديدة؟ { مسطول اشترى فيديو وباع التلفزيون.!!