ذاع صيت الدكتورة مريم الصادق المهدي على نطاق واسع كواحدة من القيادات اللامعة على صعيد الساحة السودانية والصفوف الأمامية في حزب الأمة القومي. أطاحت الدكتورة مريم بالموازين وقلبت الحسابات رأساً على عقب في مجال قهر الصورة المرسومة عن تقاعس المرأة عموماً في التصدي لمسؤوليات العمل العام ومقاومة التقليد الأنصاري الذي يقيد انطلاقة العنصر النسائي في النشاط الحزبي، حتى حازت على النجومية الاستثنائية وصارت النموذج الراسخ في سلم النجاحات والبريق الساطع حتى كادت تطير إلى الجوزاء. بقدر ما انكسر ضوء شاحب على ظلال ممارسة بعض النساء في عالم السياسة؛ فإن مريم الصادق كان لها إيقاع كثيف وطاقة جبارة ومجهودات مضنية في الحراك السياسي بالشواهد الدالة. مضامين تلك المعطيات جعلت الكثيرين يطلقون لقب بيناظير بوتو على الدكتورة مريم الصادق في محاولة لا يمكن وصفها إلا بتجسيد القناعات التي تطابق الوصف على الموصوف!! واللقب الذي يطلق على المرء سواء أكان في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الرياضي أو الفني وخلافه لا يأتي من فراغ وإنما يؤطر على ركائز المنطق والدلالات والصورة القريبة. وفي الذهن كيف لقب روميل بثعلب الصحراء وكيف حازت الفنانة أم كلثوم على وصف كوكب الشرق، والأمثلة كثيرة على هذا المنوال. أما عن حالة المشابهة بين السيدة بيناظير بوتو والدكتورة مريم الصادق، فإن المراقب لا يمكن إلا أن يستحضر أن السيدتين صعدت كل منهما إلى عالم الصولجان ارتكازاً على إرث العائلة والمذاق الرمزي والعاطفي، فالسيدة بيناظير بوتو سليلة مؤسس حزب الشعب الباكستاني، ذو الفقار علي بوتو الذي يدين له ملايين الباكستانيين بالولاء والتقدير، بينما يمتد حبل الدكتورة مريم إلى الجد الإمام محمد أحمد المهدي، ووالدها الإمام الصادق زعيم كيان الأنصار والقائد السياسي الأول على مستوى بيت المهدي. وأيضاً من العلامات المشتركة بين الشخصيتين الالتزام الإستراتيجي بالمنهج الليبرالي في عملية تداول السلطة ونبذ العنف والأساليب القمعية علاوة على وجود خصوصية الاهتمام بالأناقة المبسطة والارتكاز على نكهة الجاذبية البراقة. من الأشياء المتطابقة بين مريم وبيناظير؛ الطموح الزائد وقوة الشخصية، وأفضى هذا المنهج إلى وراثة الآباء وإبعاد المنافسين الآخرين في العائلة، ويلاحظ أن بيناظير قبل وفاتها ورثت القيادة من والدها بوتو في حزب الشعب الباكستاني، وبالمقابل فإن الحيثيات الواضحة تدل على اندياح خطوات مريم على ذات الطريق في المستقبل، وحتى إذا صعد أحد أبناء الإمام الصادق فإن الدكتورة مريم ستكون صاحبة السلطة الأصلية!! ويرى البعض أن فلسفة الإمام الصادق كشخصية سياسية متحضرة وملهمة، فتحت الباب لصعود كريمته الدكتورة مريم إلى هذا الدرج الأعلى في المعترك السياسي. والتساؤل المنطقي يبقى عن كيف تقابل الدكتورة مريم الصادق استحقاقات لقب بيناظير بوتو؟ وهل يمكن للدكتورة مريم الإبقاء على أهلية اللقب ومدلولاته في ظل الفوز الكاسح للمؤتمر الوطني في الانتخابات الأخيرة بغض النظر عن رأي البعض في جوهر النتيجة؟ الإجابة الطبيعية: ما دامت السيدة بوتو قبل مصرعها الدامي كان لها دور مؤثر في الشارع الباكستاني من موقع المعارضة في المنفى باستخدام قوة الطرح والتفاعل مع جماهير حزبها العريق حتى صارت المرشحة الأكثر شعبية في الانتخابات الباكستانية؛ فإن واقعية المشهد ربما تخلق فرضية الأسلوب من جانب الدكتورة مريم حول استلهام خطوات السيدة بيناظير مع اختلاف المآلات بين الخرطوم وكراتشي!! بداهة، إن معارضة الحكومة الحالية من آليات المنهج الديمقراطي السائد، لذلك لا غضاضة في تطبيق شرعية هذه الصيغة السياسية، والدكتورة مريم أصلاً من دهاقنة الشخصيات المعارضة للمؤتمر الوطني وطالما استبعدت التحالف الانتخابي معه قبل عملية الاقتراع وظلت دوماً على رأس الرموز المناهضة التي تنظم المسيرات الاحتجاجية لمنهج الحكومة، تواجه رائحة (البمبان) ويطالها التوقيف. ولم تتورع الدكتورة مريم عن القول إن المشهد السياسي الراهن أفرزته صفقة أمريكية وكان طبيعياً زيادة وتيرة اللغة الهجومية من منظورها حيال الحكومة. قد تشعر الدكتور مريم بأن المؤتمر الوطني بصولجانه وأساليبه يضع الشوك والحصرم في طريق طموحاتها المنبثقة من الإرث التاريخي، وربما تكون المقارنة السياسية التصويرية بين السيدة بوتو والسيدة مريم لا تقف مع محسوسات الظرف، لكنها في ذات الوقت ترمز إلى واقعية المضمون والأحوال التفاعلية. وعندما سأل الأستاذ محمد سعيد محمد الحسن مندوب جريدة الشرق الأوسط الدكتورة مريم عن القاسم المشترك بينها وبين بيناظير ردت قائلة: لقد تابعت مسيرتها وإنها في تقديري سيدة مقدامة تدعو للإعجاب والتقدير وظلت تناضل من أجل الديمقراطية والرفاهية لشعب باكستان. وأردفت: لكن ليس خياري أن أكون بيناظير بوتو السودان، لأنني أعمل في حزب لديه أجهزة تختار زعاماته! بغض النظر عما إذا كانت إجابات الدكتورة مريم تنم عن دبلوماسية عالية ورغبة مبطنة في أن تصبح على شاكلة بيناظير بوتو؛ فإن الأقدار تلعب دوراً أساسياً في تحديد اتجاهات البوصلة.