والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى اشكالية الحبيب والحبيبة: رسالة مريم ومقال رباح ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 06 - 01 - 2010


[email protected]
(1)
اذا كان الفضول قد سيطر عليك وغلبك، أعزك الله، فلم تُطق صبراً حتى تقرأ رسالة السيدة الفضلى الدكتورة مريم الصادق المهدى فلا عليك؛ إذهب اليها، أعنى الرسالة، لا مريم نفسها، فإنك لا بد واجدٌ نص مكتوبها فى ذيل هذا المقال. ولكننى ربما اختزلت عنك بعض العبء فأنبئتك من فورى أن مريماً بادرت فوافتنى برسالةٍ الكترونية حملت من فوق سبعة أسافير براءة صديقنا المستشار الاعلامى والكاتب الصحفى محمد محمد خير، وأزاحت رأسه سالماً من فوق نطع السياف، وأجازت له مخاطبة بنات البيت المهدوى بلقب (الحبيبة). ثم أضافت انه اذا كان طلاب حزبها وكيانها الانصارى فى الجامعات قد خاطبوا بعضهم البعض بصفة الحبيب ثم استنكفوا مخاطبة الطالبات بلقب الحبيبة، فإنما مردٌّ ذلك "الاستحياء الثقافى" الذى غلب عليهم، وهو استحياءٌ يستصحب فى الوعى الجمعى – بحسب مريم- "نداءات المحبين فى المسلسلات المصرية". كما أشارت الى ان ألقاب الامير والاميرة، لا يحملها داخل الكيان الانصارى الا من حاز مقامها وأجازه مجلس الحل والعقد. وهو مقام لم تنله هى ولا غيرها من حرائر البيت المهدوى، وان كانت تأمل وتتطلع، من خلال المجاهدة والبلاء الحسن، الى ان تناله يوما ما. ثم ذكّرتنى مريم – فى مسعاها لتأثيل لفظة الحبيبة فى تراثنا القومى- بالقول المعلوم: (الماعندو محبة ما عندو الحبة، والعندو محبة ما خلى الحبة). وأنا أشكر السيدة الفضلى الدكتورة مريم اذ أنعمت علىّ أنا نفسى بصفة الحبيب فاستهلت بها رسالتها الى شخصى.
وقبل ان أمضى قدماً فى اى اتجاه آخر أود ان ابادر فأتوجه على الفور بنداءٍ صادق الى مجلس الحل والعقد فى كيان الانصار وأطلب اليهم التفضل بترقية الدكتورة مريم على الفور الى مقام الأمارة. دافعى الى ذلك هو اننى شهدت بعض ساحات الحوار السياسى السودانى، فى الداخل وفى المهاجر، تتداول اسمها الكريم تداولاً جاداً لخلافة والدها الأمام الصادق المهدى فى قيادة حزب الامة، بعد عمرٍ طويل مبارك باذن الله، اقتداءً بتجارب معلومة للديمقراطيات الاسلامية الراسخة فى باكستان وبنغلاديش وديمقراطياتٍ اخرى أكثر عراقة فى الهند وغيرها. ولما كانت رئاسة حزب الامة تؤذن باحتمال تولى شاغلها لمنصب رئيس الوزراء فى أية حكومات مستقبلية، فإنه – واصدقك القول ايها الأعز الاكرم – شقّ علىّ فلم يقع منى موقعاً حسناً أن يكون لقب رئيس وزراء بلدى هو (الحبيبة رئيسة الوزراء). الأسلم عندى، والادنى الى عقلى ووجدانى، ان يكون اللقب فى حالة تولى مريم للمنصب هو (الأميرة رئيسة الوزراء).
(2)
واذا كانت لبنات البيت المهدوى مسوغاتهن التراثية من شاكلة ما بسطت مريم فى رسالتها، وتبعتها فى مقال منشور سأدلف اليه بعد هنيهة المهندسة رباح، فى الترحيب بخطاب "الحبيبة"، وحث الطلاب من أعضاء حزبهن فى الجامعات والمعاهد وتشجيعهم على مناداة الفتيات من بنات الانصار وغيرهن من عضوات الحزب بتلك الصفة، فاننى – وبغير مداورة- اصارحهن وانصح الكيان الانصارى فى جملته ان يعيد البصر كرتين فى أمر هذه الدعوة. تراث الصوفية على العين والرأس، ولكن الثابت فى الوعى العام هو ان معانى الالفاظ والمصطلحات فى مجرى الحياة اليومية ورباط المعايشة الاجتماعية والثقافية لا تضبطها جذور التراث ومكنوناته، ولا تحكمها النوايا الشخصية وخفايا الضمائر، بقدر ما تبذلها مدلولات محددة يشفٌّ عنها الفهم العام السائد عند الناس فى سياقات زمانية معينة، وفق ما يسميه علماء اللغة (التحول الدلالي) أو التحول السيميائي بلغة بني ثقيف، وهو واحد من اكثر مباحث علم اللغة جذباً للمدارسة والنظريات الجديدة، وتستعين به علوم أخرى تعنى بدراسة المجتمعات الإنسانية. هذه المدلولات وتلك المفاهيم هى التى تمنح الألفاظ حيويتها وتسبغ علي المصطلحات شرعيتها، حتى وإن تعددت معاني الكلمة الواحدة. فاللغة تنشأ بالتوافق بين مستخدميها، وهي كأداة مشاعة للإستخدام المتساوي بين البشر بغض النظر عن طوائفهم الدينية وغيرها تستعصي على كل مسعى لفرض معانٍ محددةٍ لها من لدن جماعة بعينها.
وأقول لمريم ورباح بغير كثير حذر أنه، وفى بيئة اللغة العربية الاكثر تداولا اليوم فأن ألفاظاً من شاكلة "حب" و"حبيبة" و"حبيبى" و"حبيبتى"، لا سيما عند استخدامها فى أمتنة جسور ومعابر ذكورية انثوية مشتركة، تنصرف مباشرةً فى الوعى السائد، وبغير إبطاء، الى المعانى العاطفية الإنسانية التقليدية المصطلح عليها عالمياً فى العلاقة بين الجنسين. وفى المقابل فإنه يصعب الى حد كبير – مع التسليم بأقصى درجات السلامة الوجدانية والاتساق الاخلاقى - تصور انصراف ذهن المتلقى عند سماع مثل هذه الالفاظ، فى اتجاهها الانثوى، الى فكرة المحبة فى الله ومضامينها الصوفية. ولكننا نعفى من القاعدة العامة بطبيعة الحال فئة قليلة من أهل الصلاح، هم الاستثناء فى كل المجتمعات، وفى زمرتهم بلا شك صديقى وصديق البيت المهدوى، محمد محمد خير، كونه عرف بين الناس بالورع والطهر والزهد والعفة وتقوى الله.
ويزيد من اشفاقى وتحفظى على الدعوة لمخاطبة الفتيات بصفة الحبيبة، ان الأمر فى حالة حزب الامة– وفقا لمريم ورباح - لا يقتصر على المنتمين للهويتين العقيدية والسياسية لكيان الانصار وحزب الامة تخصيصاً، كما هو الحال بالنسبة للجماعات والطوائف السياسية الاخرى التى تجعل خطاب المناداة قصرا على منسوبيها، حيث يرتبط خطاب عضويتها لبعضها البعض بسياق ثقافى وبروتوكولى وتنظيمى يخص كل حزب او طائفة. الشيوعيون لا ينادون بصفة "زميل" او "زميلة" شخصا من خارج عضوية الحزب، وكذلك البعثيون عندما يستخدمون "رفيق ورفيقة"، ومثلهم الاتحاديون فى توظيفهم لكلمتى "شقيق وشقيقة"، ثم الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما ينادى اعضائها بعضهم البعض رجالا ونساءً بلفظة "كاماراد". الا أنه فى الحالة التى بين أيدينا فإن السيدتين مريم ورباح يفتحان الباب على مصراعيه لكل الرجال، من كافة الأصناف والأخياف، لمخاطبة نساء الأنصار وحزب الامة بصفة الحبيبة، ومن هنا كان ترحيبهما باستخدام محمد، الذى لا ينتمى لكيان الانصار، لعبارة (الحبيبة رباح) ثلاث مراتٍ فى مقاله.
(3)
ثم نأتيك – يا هداك الله - الى مقال المهندسة رباح، كما قرأناه فى زاويتها الاسبوعية الراتبة بصحيفة الاحداث يوم الاحد الماضى، واختارت له عنواناً جانبه التوفيق من الوجهتين المعرفية والمصطلحية، وهو (ملاسنات خير والبطل). ولم اقرأ قط او أسمع فى حياتى كلها من وصف مساجلات صحفية منشورة بأنها "ملاسنات". الملاسنة كلمة عربية فصيحة تحمل فى المصطلح الاجتماعى مضموناً رديئاً يلقى من حوله ظلالاً قميئة، اذ تفترض ان شخصين او اكثر تلاحيا وترادحا، وجهاً لوجه، فى الحياة الواقعية وسبّ كل واحد منهم رصيفه مخاطبةً باللسان او ذكره بما يسوءه. وأنا ومحمد لم نلتق وجهاً لوجه، ولم نتلاح او نترادح، ولم يسبّ أحدنا الآخر، حاشاى وحاشاه. وهو ليس "غريماً" لى كما زعمت رباح، بل هو فى شخصه محل حبٍّ ومودة. وانما كتب هو مقالاً، وسطرتُ أنا فى معرض التعقيب عليه مقالاً ساخراً يصنف فى تعريفات الفرنجة تحت مصطلح (Satirical). وقد فهمه كثيرٌ من قرائى الأفاضل فى إطاره الصحيح، بينما طاش آخرون فى فهمه طيشاً بعيداً. ومن مثل هؤلاء قارئ من المملكة السعودية، يبدو انه ينتمى الى حرفة تقطيع وبيع اللحوم، كتب الى يشتمنى وينعى علىّ وصفى لمحمد بالقصّاب ومما كتب:(وما عيب القصّاب؟ أليس القصّابون بأفضل من أهلك النوبيين الذين لا يتقنون الا أن يكونوا طباخين وسفرجية وشماشرجية وبوابين)؟ وجلىٌّ أن القارئ الثائر لا علم له بمئات الأوراق المنشورة التى حرّرها محمد يتغزل فيها بمهنته الاصلية، التى ورثها أباً عن جد والتى يهيم بها ويتعشقها، ويعبر بين سطورها عن ولعه بالأغنام واللحوم و"الشيّات" ومتعلقاتها وتوابعها، حتى عرف بين أحبابه فى سنى معارضته للانقاذ باسم "محمد القصّاب"، وهو اللقب الذى صحَّفه لاحقاً بعض من ثاروا عليه منهم، بعد أن صبأ عن ملّتهم ودخل فى دين الانقاذ، فجعلوه: "محمد النصّاب"!
(4)
عبّرت رباح فى مقالها، عن عدم رضائها من كونى تناولت بعض أمورٍ وردت بمقالى فى قالبٍ ساخر يختلط الجد فيه بالهزل. وانا أحترم رباح واقدر مشاعرها حق قدرها. غير أننى لا أرى فى شخصها الكريم استثناءً يمِيزها عن غيرها من المشتغلين اختياراً بالعمل العام، بحيث يتحاماها قلمى ويتحاشاها مدادى فيتحسّس مواقع حروفه كلما دنا من مرابعها. لا قدسية لرباح عندى تلزمنى بأن أضع لنفسى ضوابط تضبط حروفى وتلجم سطورى عند تعرضى لشخصها الكريم، او عند تناولى للقضايا التى تخص الكيان الوطنى الذى تنتمى اليه. ولطالما تعرّض هذا القلم، بذات الاسلوب الذى يعنُّ له أن يكتب به، لرؤوسٍ تنخفض لها الهامات، وقامات تهتز لها المحافل، دون وجل او خشية. ورباح وعشيرتها من عترة البيت المهدوى هم منى فى حدقات العيون. ولو شاءت رباح أن تقر مصونةً فى بيتها فهى وما تشاء. أما اذا أرادت أن تتخذ لنفسها مكاناً صدرياً فى قلب المسرح السياسى والثقافى الوطنى، فتطلب المعالى السياسية كفاحاً وتنهدُ الى المجد الثقافى غلاباً، وتغشى المنابر وأسواق الكلام، تدافعُ وتنافحْ، وتعاظل وتقاتل، كما أراها تفعل، فإنه يجمُلُ بها أن تعلم أن المرابطين فى سوح الحياة العامة ودروبها سواسيةٌ كأسنان المشط، لا فضل لمرابطٍ على مرابط الا بالتقوى.
ما الذى يجعل رباح تظن بأن لغة الخطاب الموجه اليها فى الفضاء العام المفتوح من ناحية، والمتداول بين عضوية حزبها السياسى من ناحية اخرى، منطقة محظورة لا يجوز لأحد ان يتعرض لها بقلمٍ ساخر؟ لقد أشارت الاختان، مريم ورباح، الى مصاعب جمة اكتنفت قضية الخطاب بين عناصر الكيان والحزب. وكتبت رباح عن حالة أحد كوادر الانصار الذى اعتذر لها عن عدم رغبته مخاطبتها بالحبيبة، فردت عليه بالقول: (لو كان الاحباب فى هذا الزمان لا يستطيعون استخدام اللقب الا مع الحرج فإنه فى حل من أن ينادينى به، ويمكنه ان يجترح احد الالقاب الدارجة مثل مهندسة وسيدة واستاذة). كما نوهّت بشئ من التفصيل الى مساعٍ اجتهادية لحسم أمر لغة الخطاب، وتطرقت الى مبادرة بعض الطلاب باحلال لقب "اميرة" بدلاً عن "حبيبة" عند مخاطبة زميلاتهم الطالبات بسبب تحرجهم من استخدام اللقب الاخير. بل أنه حدث فى زمن مضى ان قام طلاب الاتجاه الاسلامى على سبيل المكايدة لزملائهم من حزب الامة والانصار فى جامعة الخرطوم فنادوا عبر مكبر الصوت (أيها الأحباب والحبيبات)، فثار الطلاب الانصار ثورة عارمة وهجموا، وهم يتميزون غيظاً، على طلاب الاتجاه الاسلامى، ودارت بينهم معركة حامية استخدموا فيها الطوب والعصى والخراطيش والبراطيش. وصاحبى محمد كان يعلم ذلك كله وهو يخاطب رباح فى مقاله. لماذا اذن لا يصلح الامر مادة لمعالجةٍ ساخرة فى مقالةً سائرة؟!
ومما تأخذه علىَّ رباح أننى استخدمت اسم شقيقها، السيد البشرى الصادق المهدى، في ما لا تجوز معه المداعبة والسخرية. وأنا أعرف كما تعرف رباح ان الركبان كانت قد سارت فى الحضر والمدر بأخبار تعدّيات شقيقها على بعض أفاضل المواطنين لأسباب يصلح بعضها للنشر ولا يصلح بعضها الاخر للنشر. وانا أُدرك تمام الادراك انها انما كانت فى جملتها حادثات عابرات لعلها من تشاقيات فورة الشباب، تخطاها الرجل ومضى بعدها ساعياً فى دروب المكرمات. والبشرى فى مقام أخى الأصغر، ومحبته عندى من محبة أبيه الامام الحبيب، الذى تشرفت بأن عملت الى جانبه حقبةً من الزمان كنتُ فيها أمتح من بئر علمه حتى كاد رأسى ان ينشق، فينفلق الى نصفين، من هول العلم وهزال سعة التخزين فى يافوخى. ولكن البشرى، مثل شقيقته، لا يملك حصانةً تحول بينه وبين قلمى أن ينتاشه كما انتاش غيره من الخلق، فى قالبٍ ساخر او غير ساخر، فانما هو بشرٌ من طين مثل سائر الناس. لا هو من نار ولا هو من زجاج.
(5)
بقيت نقطة لفتت نظرى فى المقال وددت ان اقف عندها متفحصاً ثم متأملاً. وقد بدا لى أن فكر رباح استقر على عقيدةٍ مؤداها أن الاصل فى كلمات ومعانى "الحب" و"الحبيبة" هو المنشأ الصوفى المتسق مع محبة الله، كما جاء فى الأدب المهدوى وغيره من تراث الصوفية، ويستتبع ذلك – بحسب رؤية رباح - ان كل معنى يخالف ذلك انما هو من قبيل الابتذال. وقد رأيت قبساً من تلك الرؤية فى رسالة الدكتورة مريم كذلك. اقرأ رباح فى مقالها: (الريب حول لفظة الحبيبة هو من صنع عقول لوثتها ثقافة الابتذال التى لطخت الحب كعاطفة خالية من الريب فى المسلسلات وغيرها). ثم اقرأ مريم فى رسالتها: (أما أبناءنا الطلاب فكانوا يستخدمون اللقب بصورة فيها بعض الاختلاف فقد كانوا ينادون بعضهم كطلاب بالحبيب، أما الطالبات فينادوهن الأميرات، واعتقد أن السبب هو الاستحياء الثقافي المتأثر بنداءات المحبين في المسلسلات المصرية). وهناك شئ من الاعتدال فى عبارات مريم، مقارنة بكلمات شقيقتها، وان كانت الفكرة واضحة من انها هى أيضاً تظن ظن السوء باستخدامات ومعانى لفظتى "الحب" و"الحبيبة" فى المسلسلات المصرية. أما عبارات رباح التقريرية القطعية فإنها لا تترك مجالاً لمتشكك، فالثابت عندها هو أن أى استخدام لألفاظ ومعانى الحب فى غير معنى المحبة فى الله هو من قبيل الابتذال الذى يلوث العقول. وبعبارات اخرى فان الحب الذى هو (عاطفة خالية من الريب) إنما هو المحبة فى الله، فقط لا غير. وأنا أجدُ صعوبةً بالغة فى استيعاب مثل هذه المقولات، فالذى عليه جمهور الانسانية فى مشارق المعمورة ومغاربها هو أن هناك عاطفةٌ نبيلة – لا تداخلها الريب بالضرورة - بين الرجل والمرأة تعبر عنها لفظة الحب، وأن التقارب والانجذاب العاطفى بين أى رجل وأية امرأة تتولد عنه تلقائياً مشاعر معينة يجوز تمثّلها من خلال ألفاظ ومعانى "الحب" و"الحبيب" و"الحبيبة". وان هذا النوع من التقارب والانجذاب إذا اكتملت شروطه ونضجت، فاستولد التعبيرات اللفظية المشار اليها، فانه فى غالب الثقافات الاجتماعية الانسانية، يكتسب مشروعيةً ذاتيةً كاملة. وفى البيئات المحافظة، ذات القيم الأخلاقية الأكثر صلابة، فإن تلك الحالة تتمدد بالضرورة لتستكمل تجلياتها الطبيعية من تعايش مشترك وتزاوج، فتهتز وتربو وتنبت من كل زوجٍ بهيج. ولما كانت فنون الدراما بمختلف مظاهرها انعكاساً لصور الحياة الاجتماعية فقد كان من الطبيعى أن تحمل الأعمال الفنية الدرامية فى السينما والمسرح والتلفزيون أشكالاً فنية تعبر عن معانى الحب العاطفى الانسانى المعتاد. وإنكار هذا النوع من المشاعر والتعبيرات الانسانية وادانته جملةً واحدة، وتعميم أوصاف اطلاقية تعسفية عليها من قبيل (العواطف المبتذلة الملوثة للعقول)، واتخاذ الاعمال الدرامية فى المسلسلات المصرية مطيةً للتأسيس لمثل هذا النوع من التنظير يبعث عندى كثيراً من علامات الاستفهام حول اطروحة الاختين.
غير اننى فى الوقت نفسه أرى فى ذات الاطروحة ما يفسر ويلقى بضوءٍ كثيف على طبيعة الخلاف بين الاختين من ناحية، وبين تلك العناصر من كيان الانصار وحزب الامة التى وجدت نفسها على غير وفاق مع النداء باتخاذ لقب للحبيبة فى مناداة النساء من ناحية اخرى. المهندسة رباح ترى ان الحب النقى الطبيعى غير الملوث والخالى من الريب إنما هو المحبة فى الله، ولا شئ غيره. والآخرون، ونحن من زمرتهم، نرى ان الحب فى الله موجود ومطلوب ومجزىٌ عنه باذن الله فى الارض وفى السماء. ولكن الحب الآخر، الذى يبدو لى من ظاهر كلماتها ان رباح لا تعترف به، سيبقى أيضاً خبز الحياة وملحها، ما بقيت الحياة وبقى الانسان، ذكرا وانثى، يعمران الكون ويشيعان البهجة فى اركانه. هذا النوع الاخير من الحب هو الذى عناه نزار عندما قال:(الحبُّ فى الأرض بعضٌّ من تصّورنا / لو لم نجده عليها لاخترعناه).
(6)
فيما يلى أيها الأعز الاكرم نص رسالة الدكتورة مريم الصادق المهدى: ( الحبيب الأستاذ مصطفى: التحيات المباركات من عند الله وصالح الدعوات أن تكون والأسرة الكريمة وكل الأهل بخير وعافية، وكل عام وانتم بخير وأعاد الله ذكرى استقلالنا ونحن لمعاني الاستقلال أقرب وفي رضى ومشاركون جميعنا حاكمين ومعارضين في صنع واقع بلدنا الموحد بطواعية الناس والذي نحن أصحاب الكلمة فيه. آمين.
قرأت مقالك بعنوان (الحبيبة رباح: القصاب ولغة الخطاب)، ويهمنى أن أشارك معك بجزئية جاءت في هذا المقال وهي موضوع مناداة الحبيبة رباح بلفظ الحبيبة. في واقع الأمر كنا في جيش الأمة للتحرير قد أحيينا هذا الأمر بصورة أساسية أي مخاطبة بعضنا بأسم حبيب، ولما كنت الضابطة الوحيدة فقد كنت أصر على مناداتي بالحبيبة على أساس أنها المحبة في الله ولا أريد أن أحرم منها. أما ابناءنا الطلاب فكانوا يستعملونه بصورة فيها بعض الاختلاف فقد كانوا ينادون بعضهم كطلاب بالحبيب، أما الطالبات فينادوهن بالأميرات، واعتقد أن مصدر ذلك هو استحياء ثقافي متأثر بنداءات المحبين في المسلسلات المصرية. لذلك عند عودتنا من العمل العسكري وتولي مسئولية قطاع تنمية المرأة كان أحدى الأشياء التي عملت على ترسيخها هي تعميم نداء الحبيب والحبيبة لكل عضوية الحزب وليس الحبيب للرجال والأميرة للنساء، لأن مقام الأمارة هذا مقام يحوزه الواحد أو الواحدة بموجب معايير وأداء متميز بصورة يحددها الامام ومجلس الحل والعقد وبالتالي يستحق هذا اللقب والمقام. وعلى حد علمي فإنه لم تحظ حتى الآن أي أمرأة بشرف نيل هذا اللقب أي أميرة. وآمل أن تستحقة إحدانا في المستقبل القريب. أما المحبة في الله فهذا شأننا جميعنا رجالاً ونساءً ومانسعى إليه : الاسلام، الايمان، والمحبة في الله. وقد خاطب الإمام المهدي عليه السلام الشيخة أمنة بالحبيبة في الله. والقول المعلوم "الماعندو محبة ما عندو الحبة، والعندو محبة ما خلى الحبة". هذا ما لزمني شرحه وتوضيحه.
دمتم فى حفظ الله ورعايته).
نصائح القراء
بعث الىّ أحد أكارم القراء، ويبدو أن له صلةٌ ما بوزارة الخارجية السودانية، برسالةٍ ينهانى ويحذرنى فيها من تعقب منصب السفير. وكنت قد كتبت فى مقال سابق أننى أردُّ على عقبيه منصب الملحق، او المستشار، الاعلامى، الذى اتهمنى بعض مناضلى الكيبورد بالتطلع اليه، كونه دون مقامى. وكتبت اننى لو ارتهنتُ فى يومٍ ما لنظام الانقاذ وقبلت عطاياه، فإننى اقبل فقط بمنصب سفير السودان فى طوكيو على وجه التحديد. ولتحذير القارئ الكريم فيما يبدو أسباباً وجيهة، اوردها هنا كما جاءت فى رسالته الالكترونية:
( وبعد، ألا فأعلم يا رعاك الله أنك تطلب رخيصاً مبتذل ما جدّ أحدهم في طلبه إلا وجده بين يديه قد نزل. فالسفراء اليوم يعينون من كل ملة وجبلة. وكل "حيٍّ" وحلة. وكل صحيحٍ وعلة. فبعد أن نعُمت الخارجية بعد التمكين بما أجزل ربك من "بركة"، وبعد نيفاشا بما شاء من "حركة". وبينهما بما قدّر من أهل القربى من الانساب. ها هي تذعن لأهل الحظوة من الاحزاب، والأخلاّء على الأبواب. وفي كل صباحٍ جديد يستقبل أهل الخارجية "الخوارج" كما يستقبل الخليج البوارج. ومن عجب أن الكثير من هؤلاء لا يأبهون لعلم من تعلم، وكأنهم يخرجون من بطون أمهاتهم في حقائب دبلوماسية، كما يتندر أهل الخارجية، الذين تعلموا الحلم من التحلم. ومن نوادرهم مؤخراً أن أحدهم قد جاء بالتجنيس، تماماً كما يفعل جمال الوالي وصلاح ادريس. وأعلم يا رعاك الله أن من بين هؤلاء من يأكل الخريف تلو الخريف. لا يهمه أن يصلح أو أن يأثم، أو أن يحاكي كاملة العقل أم جركم).
نصوص خارج السياق
أخويا الأمير بزرميط الايرانى
بعت لى السنة دى عزمنى ودعانى
أنا قبلت طبعا ورحت العزومة
وكانت وليمة ما تحصلش تانى
ده ايه المحمّر
وايه المكّمر
وايه المشمّر
وايه الصوانى
أنا دماغى تعبت ولفت صراحة
من الفخفخة والهنا الاصفهانى
هناك يعنى مثلا اذا شربت طافية
تمز بكوارع وبسطرمة ضانى
ما شفتش هناك
ناس بتحقد عليهم
ولا ناس بتشتم فلان الفلانى
لأنه اشترى عزبتين من شطارته
وحكمة ادارته
وطلّع مبانى
( من قصيدة "بيان هام" لأحمد فؤاد نجم)
عن صحيفة ( الأحداث )
مقالات سابقة:
http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.