هل صحيح أن الاستعمار البريطاني هو الذي حدد شكل السودان الحالي؟.. وكان هذا الاستعمار قد جثم على أرض الوطن نهايات القرن التاسع عشر ثم في منتصف خمسينيات القرن الماضي حمل عصاه على كاهله ورحل؟! وهل صحيح أن التركية السابقة التي «ابتدرها» محمد علي باشا عام 1821م وظلت تحكم البلد حتى يناير 1885م هي التي حددت شكل السودان الحالي الممتد من حلفا شمالاً إلى نمولي جنوباً ومن الجنينة غرباً إلى بورتسودان أو سواكن شرقاً؟. ألم يكن السودان موجوداً قبل هجمة الباشا الغشيم عام 1821م؟، وصحيح أنه لم يكن دولة واحدة أو أمارة أو مشيخة واحدة- ولكنه كان موجوداً. وأكثر من ذلك فأنه كان موجوداً منذ فجر التاريخ وهو لم يصنعه كتشنر أو محمد علي وإنما أقامه الآباء المؤسسون شبتاكا وبعانخي وتهارقا ومن واجبنا أن نحافظ عليه وأن نحرص على بقائه واحداً موحداً. ولقد كنا زمناً ما وثنيين- ثم اهتدينا الى التوحيد- ثم اعتنقنا المسيحية- ثم اصبحنا مسلمين- واستمر بعضنا على مسيحيته داخل السودان الشمالي وفي منطقة جبال النوبة. ثم في أيام التكالب على أفريقيا تسللت المسيحية إلى الجنوب وقبلها كان هناك ولا يزال ما يسمى بكريم المعتقدات - ثم تسلل الاسلام أيضاً الى الجنوب. ومن رأينا فإن السودان الواحد الموحد قادر على استيعاب الإسلام والمسيحية وقادر ايضاً على استيعاب كريم المعتقدات. إن الوطن الآن مقدم على كل الثيوقراطيات وعلى كل الوثنيات والمسألة تحتاج إلى تنازلات متبادلة وإلى ثقة متبادلة. ثم نرجع للمفيد وهو أن السودان بشكله الحالي ليس صنيعة استعمارية أو خديوية كما زعم كثير من الكتاب والسياسيين لكنه ثمرة أو محصلة لنضالات ومحاولات ترجع الى ما قبل الاستعمارين البريطاني والتركي. ولا نريد أن نستبق الحوادث لكننا ننبه دعاة التقسيم في الشمال والجنوب معاً إلى أن ما يبتغونه لن يتم بالسهولة التي يتصورونها، واستمرار الوطن أي وطنا موحداً مسألة غير قابلة للتفاوض ولا للنقاش أو المراجعات، ولقد كانت دقسة عجيبة تلك التي دقسها الحزبان الكبيران الحاكمان - المؤتمر الوطني والحركة الشعبية- والحزبان الكبيران التاريخيان الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة حينما وافقت على تقرير المصير خاصة وأن هذا التقرير يقتصر على بعض السودانيين، وقال صاحبي ليكن أن السودان بشكله الحالي صنيعة استعمارية، أليس يتسع لنا جميعاً؟ ثم وهذا هو المهم لماذا لا نحافظ عليه؟