الأحد الماضي كانت بداية العام الدراسي الجديد لمرحلتي الأساس والثانوي، وسوف يشتري أولياء الأمور الكراسات والأقلام وعلب الهندسة وكثيراً من الكتب رغم مجانيّة التعليم! وقد يشتري بعض أولياء الأمور في بعض المدارس هنا في العاصمة المثلثة أو خارجها حتى الكراسي التي يجلس عليها التلاميذ. ومما يؤرق أكثر وأكثر في هذا العام الدراسي الجديد أن كثيراً من التلاميذ سوف يذهبون إلى مدارسهم بين وقت وآخر من غير (حق فطور). ويُخيّل إليّ أن من أبشع المناظر التي يمكن أن تقع عليها العين منظر ذلك الطفل أو الصبي وقد (دقّ) جرس الفطور وليس في جيبه مئة قرش؟!! وكي نكون موضوعيين ومنصفين فإن هذا المنظر البشع قديم، لكن حدوثه في الماضي لم يكن بمثل هذه الكثافة والغزارة التي يحدث بها هذه الأيام، ثم إننا في الماضي كنّا دولة فقيرة وكنّا شعباً فقيراً، لكننا الآن دولة لن نقول إنها غنية لكن مواردها تسمح بأن تكون وجبة الإفطار في مرحلتي الأساس والثانوي في متناول غير القادرين. ودوماً فإن ما هو بشع وغير محتمل أن يذهب التلميذ إلى مدرسته وليس معه (حق الفطور)، وإذا كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين نادى في أربعينات القرن الماضي بأن التعليم حق كالماء والهواء، فإننا ننادي الآن بأن إفطار التلميذ في مدرسته حقٌ مثل الماء والهواء. والتعليم من غير طعام مستحيل، والعقل السليم في الجسم السليم، الذي لايمكن أن يكون سليماً من غير طعام. وإذا كانت الحكومة الآن غير قادرة على تنفيذ هذا الهدف المتواضع الجليل، أي أن تكون وجبة الإفطار في المدرسة من صميم حقوق التلاميذ غير القادرين، فإنه قد تأتي لحظة توظف فيها الحكومة مواردها كما ينبغي، وعندها يتحقق هذا الهدف النبيل. وفي هذه الفترة فإن المجتمع يستطيع أن يتحمل عبء هذه المسؤولية، ففيه كثير من الخيّرين، وفيه كثير من منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات غنية. وفي نفس الوقت فإن الدولة مطالبة بتحسين رواتب المعلمين إلى أقصى درجة، وبالالتزام بصرفها في مواعيدها.. فالمعلم هو الذي قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي: قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ومع كامل التقدير لشوقي بك رحمه الله، إلا أن المعلم يستحق، بالإضافة إلى القيام والتبجيل، أن يصرف راتبه في موعده، وأن يكفل له هذا الراتب الحياة الكريمة الهانئة ليتفرّغ تماماً لنشر النور وتنشئة الأجيال على النسق المرجو. وكل عام والمعلمون والتلاميذ بخير.