انتهى مدرسو ومدرسات عدد من فصول الصف الدراسي الأول والثاني في إحدى مدارس الأساس الخاصة بشرق النيل من تدريس عدة أبواب من المقرر، وكالعرف المتبع في تلك المدارس الخاصة، فقد تقرر الاحتفال بالمناسبة فطوراً «مدنكلاً»، وطلب المدرسون والمدرسات في كل فصل من التلميذات، وكذلك الحال من التلاميذ، أن يحضر كل تلميذ منهم، وتلميذة منهن صنفاً معيناً من الطعام، فعلى الطالبة كوثر أن تحضر «لحمة شية»، وندى دجاجاً مقلياً، ونسمة بيضاً بالطوة، وأماني جبنة وزيتوناً، ومحمد طحنية ومربى، ومهند شاي بالنعناع، ونزار جبنة بالهيل والهبهان وفي الصباح كانت مائدة المدرسات والمدرسين حافلة بما لذّ وطاب من الطعام والشراب الذي تناوله المدرسون والمدرسات لذيذاً هنيئاً بمناسبة انتهاء عدة أبواب من المقرر، وليس المقرر كله..! وفي ناحية محلية جبل أولياء اجتهدت أم إحدى التلميذات فتمكنت بعد جهد جهيد من من تحضير وجبة فول «مجهبز» وطعمية من صُنع يديها وشعيرية، والجارات الأخريات فقد تمكن من شراء البيبسي والعصير والحلوى والكعك وأصناف شتى من المخبوزات لإرضاء المدرسات، وحتى ينجحن في كسب ود الموجهين الزائرين، وفي ذلك فائدة قد تنعكس خيراً على المدرسة وتلميذاتها، وقد وجد الموجهون استقبالاً حافلاً وفطوراً شهياً، و هذا الحال ينطبق على عدد كبير من المدارس العامة والخاصة ورياض الأطفال التي فيها وضع شبيه بما يحدث في المدارس، فمديرة الرياض والمدرسات يبذلن جهوداً كبيرة لإرضاء المفتشين والمفتشات الذين يجوبون الرياض لتقويمها وضمان استمراريتها وفق متطلبات التصديق وشروطه واشتراطاته..! وهناك إفطار مشهور ومعروف في معظم لجان امتحانات الأساس والثانوي، خاص بمراقبي الامتحانات من المدرسين والمدرسات في المدارس التي بها لجان امتحانات الشهادة الأساس والشهادة الثانوية، ويقدم عن طيب خاطر من نساء الحي في تظاهرة جميلة متفق عليها ويُغض عنها الطرف..! كان المدرس في زماننا مهاباً مرهوب الجانب، وله شخصيته ومكانته الاعتبارية، وفي كل مناسبة من مناسبات القرية والأحياء في المدن يكون المدرس هو النجم سواء في مناسبة عقد قران أو سماية أو خطوبة، وكذلك في التراح ومناسبات العزاء وفي المسجد الجامع.. وهو موضع ثقة القرية وربما خطيبها وإمام مسجدها، وتبدل حال المدرسين ومن بعدهم حال الموجهين والمفتشين وغيرهم.. وفي بدايات عهد ثورة الإنقاذ كانت هناك لفتة مهمة تجاه المعلم وضروة إكرامه وإعطائه الراتب الأعلى، فإذا كان مدرساً في الأساس نال مرتب وكيل وزارة..! ولكنها كانت وعوداً لم تثمر مع توفر النية..! ربما لشح المال في خزينة الدولة، وظل المعلم ومازال راتبه قليل ووضعه هزيل، ومن ثم لا يسلم من الأذى إن غضب منه موجه أو مفتش أو ولي أمر صاحب سطوة... أما الجانب الآخر من الصورة والوجه الآخر من العملة.. ففي كل المدارس المذكورة، هناك عدد من التلاميذ والتلميذات والطلاب عموماً في المراحل كلها لا يجدون فلوساً يشترون بها الفطور في الصباح! ولم يكن المقال السابق عن (إفطار تلميذ) حديثاً عابراً، ولكنه كان تعبيراً صادقاً عن تأثرنا أمام واقع محزن مستمر كل يوم.. مع إشراقة كل صباح جديد لا يجد عدد من البنات والأولاد من تلاميذ وتلميذات المدارس في المرحلتين الأساس والثانوي فطور الصباح وهم في مدارسهم.. المقال الذي نشر كانت له أصداؤه، وهناك من تحدث عن جهود شتى في معظم أرجاء السودان لكي يجد أبناؤنا فطوراً يومياً يسد رمقهم ويمنحهم القوة والصحة للاستماع للدروس والتفاعل مع النشاط المدرسي.. وجدنا في عدد من المدارس جهوداً مقدرة من المديرات والمدرسات بحصر أعداد البنات اللواتي لا يفطرن ويقمن بتوفير الفطور لهن، وهناك في عدد من رياض الأطفال ما يعرف بسجل وجبة الفطور الذي يتم فيه معرفة نوع الطعام وصنفه الذي تناوله أطفال الرياض، وهناك حصر لمن لم يحضر معه فطور من البيت ومن لم يفطر في المدرسة..! وقالت لي إحدى صاحبات رياض الأطفال إنها تشتري شهرياً صفيحة طحنية وتكون حلاً لمن لم يحضر فطوره أو لا يجد ثمن الفطور.. فيفطر بالطحنية..!..ولكنه عمل متقطع وحسب ظروف المدرسات وما لديهن من مال..! وهناك تلميذات يقمن بالدور ذاته، فيساهمن مع بعضهن ويفطرن مع زميلاتهن درءاً للحرج.. واقترح على عدد من الشباب والزملاء أن نختار مدرسة ما ثم نقوم بشراء فطور ويتم توزيعه كنوع من التكافل.. ولم اعترض على المقترح ولكنه عمل ليوم واحد، سيسعد التلاميذ لوجبة واحدة.. ولكن ماذا بعد؟.. وعلمت أن هناك مساهمات من ديوان الزكاة ومن بعض الجهات، وهناك وقف إفطار تلميذ..!واقترح أحد الأصدقاء أن تؤسس منظمة أو جمعية تُعنى بتغذية الطلاب عموماً، تغذية سليمة مفيدة، حيث إنه من الواضح أن الفطور الذي يتناوله الطلاب لا يحتوي على مواد غذائية مفيدة، فهي قد تسد رمقه وجوعه ولكنه لا يستفيد منها غذائياً.. ويقترح أن تقوم المنظمة بإنشاء مصنع متخصص للتغذية يُستفاد من أرباحه في تغذية الاأفال المحتاجين الذين لا يجدون ما يأكلون سواء في المدارس أو خارجها.. وتساءلت إحدى الأخوات عن دور بنك الطعام في إطعام تلاميذ وتلاميذات المدارس..! والقضية فيها جوانب أخرى، فليس الفطور الذي يأكله التلميذ في المدرسة أو يحمله معه هو الفطور الصحي المطلوب.. فهناك ممارسات غذائية خاطئة في المدارس والرياض، منها أكل القنقليس بالدكوة والشطة الحارة والآيس كريم والطعمية التي يتكرر زيت قليها مرات عديدة، مع عدم النظافة في المكونات وطريقة العرض والتقديم، وعلى جانب طريق المدارس هناك سيدات يقمن ببيع الفطور للتلميذات والتلاميذ العابرين.. طبعاً لا نريد أن نقف ضدهن أو نكون ممن يقطع رزقهن..! ولكن نحتاج إلى معالجات جادة وإلى حلول مناسبة تجعل الفطور متوفراً بين يدي كل تلميذ وتلميذة.. ومغذياً وصحياً بما يحقق الفائدة المرجوة منه غذاء سليم معافى يعود بالنفع على التلاميذ والتلميذات.. إنه أمر مطلوب ولكنه يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الجميع بلا استثناء.