{ مع تباشير الخريف تنتشر جيوش الذباب والناموس، وبحركة شبه منسقة، في قلب الخرطوم، ومختلف أرجائها الوسطية منها والطرفية، ومنذ أشهر الخريف الماضي، لدرجة يصعب على الناس، في ظلها، النوم في الليل وأحياناً المقيل بالنهار في بيوت غالبية سكان العاصمة بمدنها الثلاث، وتتكاثر الحشرات بجنون في عاصمة قال القائمون على أمر البلاد إنها (حضارية)!؟ وتبدو العاصمة مع كثافة حركة الذباب والناموس، التي تجدها أينما ولّيت وجهك وفي أي وقت من ساعات الليل أو النهار، تبدو الخرطوم وكأنها قرية من أزمان غابرة، يعوزها المال والعقول، لا مدينة حديثة في دولة متحضرة وغنية بمواردها. { ولا يدري المواطنون من أهل العاصمة السبب الذي دفع بجيوش الحشرات لتعاود الهجوم عليهم، وهم لا يجدون عذراً للقائمين على أمر إدارة شؤونهم من كثافة الحشرات في الخريف الذي يكشف عن العجز الهيكلي الذي يحول دون التعامل الفعَّال من قبل القائمين على الأمر لإدارة أزمة الخريف في العاصمة منذ عصور غابرة، غير أنهم لا يجدون عذراً لتلك الإدارات «مدمنة الفشل»، التي تقبع في المكاتب وتأخذ الأجور والمعينات والحوافز دون مقابل، بينما يعاني الناس الأمرّين في بيوتهم وحيشانهم. { يحدث كل ذلك والمواطنون يدفعون الأموال صباح مساء للمحليات مرةً للنفايات التي تحصّل شهرياً، مروراً بشقيقاتها من الرسوم المحلية والضرائب والدمغات التي تتناسل بكثافة تناسل الذباب والناموس، حتى غدت لها سلالات لا قبل للمواطنين بها. والسؤال الذي يفرض نفسه، في هذا السياق، ما هو المقابل الذي يجده الناس الذين يدفعون تلك الأموال عن طيب خاطر؟ أليس من باب أولى أن تعود عليهم أموالهم تلك التي دفعوها في شكل خدمات أبسطها تطهير العاصمة من الذباب والناموس وجيوش الحشرات التي تهاجمهم ليل نهار؟ { وجيوش الذباب والناموس تفصح عن الفضيحة بجلاء أكثر وضوحاً؛ لأن محاربتها أبسط وأقل كلفة وأكثر أهمية وتقع في طليعة أولويات السلطات المحلية، لكننا نعيش في زمن لا يخجل فيه المسؤولون عن الفشل والعجز الذي لو حدث في بلاد أخرى لتقدم المسؤولون باستقالاتهم خجلاً، لكن مسؤولينا لا يعرفون للخجل المقرون بالفشل دروباً. { أيها المسؤولون عن إدارة شؤون الناس في العاصمة: تذكروا أن مسؤولية نظافة العاصمة ومراعاة البيئة المناسبة للحياة الإنسانية الكريمة، ومحاربة جيوش الذباب والناموس تقع في طليعة مسؤولياتكم التي من أجلها تتمتعون بأوضاعكم الوظيفية المميزة، ومن دون أن تقدموا الخدمات التي من أجلها وُضعتم في هذه المواقع الوظيفية فلا معنى لوجودكم في تلك الوظائف، والأكرم لكم وللمواطن أن تتقدموا باستقالاتكم وتريحوا وتستريحوا.