رغم امكانيات السودان الهائلة في كل شيء إلا أن هذه الامكانيات وللأسف الشديد لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل. وبصراحة نحن (ما شاطرين وما بنعرف من وين نجيب القروش) (فالقروش) دروبها معروفة ومتوفرة إلا أننا نفشل في الكثير من الأحيان في اقتناء هذه المبالغ لنضيفها إلى مواردنا غير البترولية خاصة وأننا في ظل البترول أهملنا الكثير من القطاعات الانتاجية الأخرى، فهل يُعقل مثلاً أن نهمل قطاع مثل القطاع الزراعي والذي وظّفته الدولة في مطلع التسعينيات لتحريك جمود الاقتصاد السوداني؟، نعم هذا القطاع في تلك الفترة قد حرّك جمود الاقتصاد السوداني وانتعشت الزراعة وكرّمنا المزارع الذي حقق أعلى انتاجية بمشروع الجزيرة في عهد البروفيسور أحمد علي قنيف، هذا المزارع حقق انتاجية عالية وصلت 32 جوالاً للفدان. نعم 32 جوالاً بالتمام والكمال عندما وجهنا كل اهتمامنا للقطاع الزراعي ممثلاً في مشروع الجزيرة، فالآن مشروع الجزيرة يصرخ وينادي ويستغيث ولا أحد يجيبه حتى بحّ صوته وتشوّهت صورته في ظل تضارب السياسات وعدم ثباتها، حتى ترك المزارع الأرض بل والبعض تخلّص منها عن طريق البيع، رغم أن بيع المشاريع والأراضي الزراعية عند أهلنا بالجزيرة يعتبر «شيء شين» أو قُل «عيب» الآن هذا «العيب» أصبح واقعاً ملموساً وقريباً جداً سنفقد هذا المشروع العملاق نتيجة للسياسات الخاطئة التي أجحفت في حقه ليترجّل بعد أن أطلق عليه الإنجليز اسم «المشروع الخرافي»، بمعنى أنه فوق كل شيء مذهل للغاية من حيث الأراضي الواعدة البكر حتى تغنى الشعراء لتأميمه وهم يعرفون جيداً مدى قوته الغذائية حيث قالوا: يا أم ضفائر قودي الرسن واهتفي فليحيا الوطن مرفعينين ضبلان وهازل شقوا بطن الأسد المنازل نبقى حزمة كفانا المهازل نبني درقة وطني العزيز إلى أن يقول: يا جزيرة نيلنا السلام من قلوباً حاباك تمام لينا فيك آمالاً جسام يا يتم يا يحصل كلام و«يا يتم» هذه كانت تعني تأميمه. بمعنى إذا لم يتم تأميم المشروع سيحصل كلام. فهذه الكلمات تدل على ضرورة الاهتمام بمشروع الجزيرة كما تدعو للوحدة والتكاتف حتى لا يتعرّض السودان للمهازل «نبقى حزمة كفانا المهازل». الآن نحن قاب قوسين أو أدنى من أن نفقد مشروع الجزيرة إذا لم تصدر قرارات شجاعة لصالحه. أيضاً من بين قطاعاتنا المهملة قطاع الثروة الحيوانية. فنحن أكبر دولة في مجال الثروة الحيوانية إلا أننا لم نوظِّف هذه الإمكانيات لتعود بالخير للسودان. فالدول كلها تتحدث عن جودة اللحوم السودانية، وأذكر هنا ونحن بالقاهرة فقد تحدّث إلينا سائق التاكسي الذي يقلنا بأنه لم يذق في حياته طعم أحلى من اللحمة السودانية ولكنها وبكل أسف لم تتوفر بالكميات التي نريدها بمصر. وأضاف عندما تكون هنالك شحنة من اللحوم السودانية في طريقها لمصر فإن الشوارع تزدحم وتدخل اللحوم السودانية السوق السوداء. إذن.. لماذا لم تُصدّر اللحوم خاصة وأنها تتمتع بسمعة طيّبة؟ والغريب في الأمر أننا رغم امتلاكنا لهذه الثروة الاقتصادية الكبيرة، فإن المواطن يعاني الغلاء!. الغلاء في اللحوم والطماطم والسكر والشاي وكل شيء. ألم أقل لكم بأن صورنا دائماً مقلوبة!! فالأمر بحاجة إلى مراجعة حتى تعود الأمور إلى نصابها، ونحاسب كل من يتسبّب في تخريب الاقتصاد ويتسبب كذلك بطريقة أو بأخرى في المساس بصحة الإنسان عند استيراد أطعمة فاسدة وذات صلاحية منتهية. فالمراجعة يجب أن تبدأ من الآن، نراجع سياساتنا الخاصة بالانتاج وضرورة رفعه ومراجعة محاربة الاحتكار ونحن نطبّق سياسة التحرير الاقتصادي ونراجع كذلك كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الارتقاء بالقطاعات الانتاجية الأخرى. فالسودان موهوب بالقطاعات الانتاجية إلا أنها غير مستغلة ومهملة. فالبترول ثروة قابلة للزوال وحينها سنجري بحثاً عن هذه القطاعات لنجدها قد احتضنتها «الهاوية» ونعود للمربع الأول مربع الاذلال والركوع من أجل «لقمة العيش» وترجع البواخر القادمة للسودان إلى موانيها في مشهد اذلالي آخر وحينها سنستجيب لكل المطالب الدولية فقط من أجل الحياة ومحاربة الجوع. فالجوع كما يقولون «كافر» فعندما نجوع سيحصل ما لا يخطر على البال!. فانتبهوا أيّها السادة!!