هل الوطنية في غفوة ؟ أم أنها ما زالت تتأجج في النفوس، وتلمع معدنا نفيسا كما كانت في قلوب جيل الاستقلال وسابقيه ؟ إن كانت قضية السودان الأكبر في تاريخه الحديث .. أن يحظى بالاستقلال، فإن قضية أخرى .. لا تقل جسامة .. تجثم الآن على الصدور .. هي قضية أن يبقى السودان واحدا موحدا، أو ينقسم قسمين . قبل يومين سعدت بلقاء كريم مع الأخ الصديق عميد شرطة م (حسن محمود أبوبكر) .. وهو من الذين عرفتهم قلما أنيقا أيام رئاستي لتحرير صحيفة (المجد)، وكنت دائما على قناعة بأن قدرات (حسن) لا تخلو من أثر الجينات، فهو نجل الشاعر الوطني العملاق الصاغ (محمود أبو بكر) .. ذاك الذي نظم القصيدة الوطنية الخالدة (صه يا كنار). الرجل أهداني نسخة جديدة من ديوان والده (أكواب بابل من ألسنة البلابل)، بعد أن قام وشقيقته د. رجاء محمود أبوبكر، بتحقيق محتوياته، وكم شعرت بالمتعة عند مطالعة الديوان، وتمنيت أن يطلع كل أبناء الجيل الحالي عليه، لتتوهج الوطنية تارة أخرى في النفوس .. انسجاما مع الظرف .. الذي جعل السودان بين خياري الوحدة والانفصال .. بعد حوالي خمسة أشهر من الآن. أترك اليوم بعض المجال لقلم الصديق العميد م حسن محمود أبو بكر، الذي كتب في الديوان سطورا مهمة، اخترت منها ما يلي : (روى الأستاذ محجوب الحارث أن الأستاذ الجليل حسن نجيلة كان معلما بمدرسة الخرطوم الأميرية سنة 1945 م، وكان محجوب الحارث آنذاك تلميذا بالمدرسة حين جاء الأستاذ حسن نجيلة بقصيدة (صه يا كنار)، وبدأ في تحفيظها لمجموعة مختارة من الطلاب سرا ليقوموا بنشرها بين زملائهم، وقد كان التلميذ فاروق سليمان الطبيب العالم حاليا من ضمن الطلاب آنذاك، وكان ذا صوت حماسي شجي، وكان الأستاذ خيري محمد والد الموسيقي المعروف الأستاذ محمد خيري أستاذا بالمدرسة آنذاك، فذهب يوجه الطالب فاروق سليمان وبقية الطلاب في تصحيح اللحن كما وضعه إسماعيل عبد المعين، وكان ذلك يتم سرا في الفناء الخلفي للمدرسة، وفي صبيحة اليوم التالي عاد الطلاب إلى المدرسة وقد فوجئوا بالوجوم السائد والجو المتوتر، ولم يجدوا الأستاذ حسن نجيلة ولا الأستاذ خيري، إذ كان الجنود قد اقتادوهما للتحقيق معهما، فقد كانت قصيدة صه يا كنار جريمة من الكبائر في ذلك العهد الاستعماري البغيض، وكانت المظاهرات تخرج هادرة وهي تردد القصيدة كهتاف حماسي ...). نحتاجك يا محمود أبا بكر .. لنردد معك .. صه يا كنار وضع يمينك في يدي .. ودع المزاح لذي الطلاقة والدد!