مضى على الإنسان حين من الدهر كان صيداً سهلاً للطبيعة، وما بها من حيوانات مفترسة، ومظاهر خارقة فوق إرادته البسيطة، وحين قُدِّر له الاستقرار، وتم له باكتمال عقله الانتصار علي الحيوانات البرية، والتأقلم على أهواء الطبيعة بتقلباتها المستمرة، وجد نفسه هدفاً لأوابد أخري أشد افتراساً.. ألا وهي الأمراض المتباينة المؤرقة للجسد والراحة، ولقد بذل الجهد الوافر مسخراً ما لديه من الإمكانيات لمداواة أمراضه، أو على الأقل تخفيف ما تحدثه من آلام ونكبات فظهر ما يسمى (الفعل الطبي)، وهو يضع شخصاً ما مريضاً – مدفوعاً برغبة الشفاء والألم – أمام آخر مشهود له بالمعرفة والكفاءة العلاجية، فيعمل على إزالة الهاجس الإنساني الأول المؤدي إلى القلق، والمؤثر على المصير أو ما يسمى هاجس الموت، ويُعدُّ سيزيف (بطل المثيولوجيا الإغريقية) الإنسان الأول الذي استطاع أن يخدع الموت لشغفه الجامح بالحياة ورغبته الشديدة في الخلود، وعن ذلك تقول الأسطورة اليونانية أن (سيزيف) استطاع أن يخدع إله الموت (تنتاتوس Thantatos) وتكبيله مما أغضب كبير الآله (زيوس)، فحكم عليه بالخلود في الجحيم، وأن يرفع صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، ولكن الصخرة تسقط قبل بلوغ القمة فيعود إلي رفعها من جديد، وهكذا يظل في هذا العذاب الأبدي لأنه قد غابت عنه حكمة الحياة والعوامل المعضدة لها، التي صاغها شعراً الإمام الشافعي في قوله الشهير ثلاث هن مهلكة الأنام وداعية الصحيح إلي السقام دوام مدامةٍ ودوام وطءٍ وإدخال الطعام علي الطعام ونحن عزيزي القارئ لا نروم الخلود الذي أراده (سيزيف) اليوناني، أو السعي نحو البقاء الطويل الأمد في هذه الحياة، بل نريد فقط البقاء السعيد فيها، الذي لا يتأتى إلا بمعرفتنا التامة لحكمة الحياة، المتمثلة في معاني أبيات إمامنا الشافعي آنفة الذكر، أي (تطبيق الاتزان العقلي والسلوكي والغذائي في جميع مظاهر حياتنا) حتى لا نكون مثل (سيزيف) الإغريقي فنحمل إلى قمة أهدافنا في الحياة صخرة طموح بجسد أنهكه سوء ثقافة الغذاء، وفقدان بوصلة الاستنارة في الأشياء، ونأنأة السلوك الذي يقود دوماً إلي فناء الأحياء..