لفهم السياسة الأمريكية تجاه السودان يجب أن يؤخذ في الاعتبار وجود عدد من مراكز القوة التي تضع ملامح سياسة واشنطن الخارجية تجاه السودان في مقدمتها الكونجرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض والخارجية الأمريكية ومجموعات الضغط والشركات الكبرى، خاصة شركات النفط وتصنيع الأسلحة، هذه مجموعات مختلفة بمصالح مختلفة، وهذا يشير في بعض الأحيان لتناقض واضح للناس في التعاطي مع السودان لتباين المصالح بين هذه الجهات. تحذير أمريكي وزارة الخارجية الأمريكية فى خطوة وصفت بالغريبة حذرت مواطنيها من مخاطر السفر الى السودان، ودعتهم فى بيان اصدرته «الخميس» الماضي لتجنب السفر إلى ولايات دارفور، ولاية النيل الأزرق، وولاية جنوب كردفان والنظر بعناية قبل التخطيط للسفر إلى مناطق أخرى من السودان بسبب مخاطر الإرهاب والصراعات المسلحة والجرائم العنيفة. وجاء في البيان انه « ليس للسفارة الأمريكيةبالخرطوم القدرة على تقديم الخدمات خارج العاصمة لمحدوديتها للغاية ، وذكرت ان هذا التحذير يحل هذا محل تحذير السفر الصادر في الثلاثين من مارس الماضي «. أسف حكومي لاشك ان التحذير الأمريكي يمثل علامة استفهام لدى وزارة الخارجية السودانية لاسيما وانه جاء في اعقاب رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، و يشهد فيه السودان أجواء سياسية وأمنية إيجابية حظيت خلال الأسابيع الماضية بإشادة ودعم صريحين من العديد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية علي رأسها الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، فضلاً عن زيارات مشهودة قام بها المبعوث الأمريكي للسلام في السودان وجنوب السودان والعديد من المسؤولين الأمميين والأوروبيين ، إلي مختلف ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق حسب البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية ردا على بيان الخارجية الأمريكية. وزارة الخارجية سارعت بأصدار بيان اعربت فيه عن أسفها للتحذير الذي أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية ،واعتبر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير قريب الله الخضر ان هذا التحذير الدوري إتسم بعدم الدقة والتناقض مع الإقرار الأمريكي بالتقدم في مسار مكافحة الإرهاب ضمن خطة المسارات الخمسة ،والتصريحات والإرشادات العديدة بجهود السودان الكبيرة في مكافحة الإرهاب والتي صدرت عن كبار المسؤولين عن الأجهزة الأمريكية المختصة. انتقادات للخارجية السودانية الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي البروفيسور الطيب زين العابدين انتقد بيان الخارجية الذي ذكرت فيه بان التحذير فيه تناقض للإدارة الأمريكية مشيرا الى انه لا يوجد أي تناقض ،وقال فى حديثه ل»الصحافة» أمس « ليس من الصحيح اصدار بيان من الخارجية قبل الرجوع للسفارة الأمريكيةبالخرطوم للتأكد من حيثيات التحذير ، وربما كانت هنالك معلومة استخباراتية تحصلت عليها الادارة الأمريكية بان احد الفصائل المتمردة في مناطق النزاع التي ذكرتها في بيانها والتي ترفض رفع العقوبات هددت بضرب الرعايا الأمريكان كردة فعل لرفع العقوبات الاقتصادية عن السودان. وتابع زين العابدين: « صحيح هنالك وقف للعدائيات ولكن هذا لا يمنع وجود حركات مسلحة ، لافتا الى ان « الأمريكان» لديهم بسبب بعض الحوادث التي وقعت لهم في عدد من الدول اصبح لديهم حذر بصورة عالية جدا اتجاه رعاياهم ، وعاد قائلا ان الشعب السوداني من اكثر الشعوب المسالمة ولا توجد حوادث اغتيال لأجانب أو حتى فيما ما بينهم لأسباب سياسية ، لافتا الى ان التحذير الذي اطلقته الادارة الأمريكية لا يعني الحكومة في شئ وليس لها علاقة به وكان الافضل لوزارة الخارجية ان تقول الادارة الأمريكية معها حق او تسكت. التخوف من الإرهاب الادارة الأمريكية بدورها ذكرت في بيانها وجود جماعات إرهابية في السودان، أعلنت عزمها على إيذاء الغربيين والمصالح الغربية من خلال العمليات الانتحارية والتفجيرات وإطلاق النار والاختطاف. وقال البيان يمكن أن تحدث جرائم عنيفة تستهدف الغربيين، بما في ذلك عمليات الاختطاف والسطو المسلح، والغزوات المنزلية، وسرقة السيارات في أي مكان في السودان، ولكنها منتشرة بشكل خاص في ولايات دارفور،وانه قد تم اختطاف العديد من عمال الاغاثة والمواطنين الخاصين كرهائن للحصول على فدية فى ولايات دارفور خلال العام الماضي. يجب على المواطنين الأمريكيين الذين يختارون السفر إلى السودان أن يكونوا يقظين ويدركون محيطهم في جميع الأوقات، لا سيما في التجمعات والمواقع العامة التي يرتادها الأجانب. توخي الحذر الشديد، ومراقبة مصادر الأخبار الموثوقة للحصول على معلومات عن الوضع الأمني المحلي، واتباع تعليمات السلطات المحلية. يجب على جميع مواطني الولاياتالمتحدة في السودان تقييم أمنهم الشخصي بشكل دوري ووضع خطط الإجلاء التي لا تعتمد على مساعدات الحكومة الأمريكية. الا ان البروفسيور زين العابدين يري ان مبررات الادارة الأمريكية يمكن ان تكون من باب المناوشات من قبل الحركات المسلحة مؤكدا ان المواطن السوداني لا يفعل ذلك، مؤكدا ان زوجة القائم بالاعمال الأمريكي الاسبق في السودان ذكرت له ان الأمن الموجود فى السودان لا يوجد في دول الجوار . السودان أكثر أمناً ثمة تناقض بين اشارات بعض التقارير الاستخبارية بوجود تهديد فى السودان وبين انسياب حركة الاجانب حول مدن السودان دون حراسة تذكر وفى بعض الاحيان التجوال بملابسهم الرياضية في شوارع الخرطوم. التناقض ربما يشير إلى أن التقارير تعبر عن المصالح وليس الحقائق، هذا ما ذكره الكاتب الصحفي والملحق الاعلامي بسفارة السودان بواشنطن مكي المغربي،الذى قال في تصريح صحفي سابق لاحدى الوكالات ان سياسة الكيل بمكيالين في علاقات واشنطنبالخرطوم ليست حكرا على الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها، بل ينطبق ذلك على علاقات معظم الدول الغربية التي تعتمد سياسة الكيل بمكيالين بشكل راسخ، هي لا تتعامل مع السودان بالحقائق والمنطق والواقع، لكن بما يحقق مصالحها على أرض الواقع وهي إظهار السودان كأنه دولة غير مستقرة وغير آمنة لأن هذا يمنحها مبررات للتدخل في الشؤون الداخلية في السودان، وأي شهادة لصالح السودان أو حتى الإشارة إلى استقراره الأمني، فستعطل المشاريع الموجودة والقرارات في مجلس الأمن ولدى المنظمات الدولية، واردف قائلا «إذا كان السودان بلد إرهاب فمن الصعب جدا أن يتجول أفراد منظمة المعونة الأمريكية ناهيك بالسفير الأمريكي، في شارع النيل وشارع المطار بملابسه الرياضية دون حراسة». أجواء إيجابية تقارير عدة اكدت انخفاض كبير في الصراع المسلح بين الحكومة والحركات المتمردة فى العام الماضي في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، والتوترات في ولايات دارفور، على طول الحدود بين تشاد والسودان، وفي المناطق الحدودية بين جنوب السودان ، بما في ذلك منطقة أبيي المتنازع عليها. وفى محيط بؤر الصراع ذاتها لم تتوقف حركة المسؤولين والرعايا الأمريكان فى هذه المناطق قبل وبعد التحذيرات الأمريكية ويؤكد ذلك سماح السلطات للاجانب بالذهاب الى تلك المناطق دون إذن من الحكومة السودانية أن تحتجزهم قوات الأمن. وزارة الخارجية اكدت في بيانها بانه في ظل الأجواء الإيجابية الراهنة والتي أعقبت قرار الرئيس الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عن السودان بشكل نهائي كثمرة طبيعية لسياسة الارتباط البناء القائم بين البلدين، التزام السودان ودعوته للشركاء الدوليين لمزيد من الجهد في محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي لإثبات وتقوية التزاماتهم عبر آليات العمل والحوار خدمةً لمصالح جميع الأطراف وترسيخ الأمن والسلم الدوليين . ودعت نظيرتها الأمريكية في ضوء نتائج الحوار القائم بين البلدين والتي أفضت إلي نقل علاقاتهما إلي مستوي متقدم من العمل المشترك البناء، إلي مراجعة بيانها وتحذيراتها السالبة وأن تسعي لمواصلة دورها في دفع عملية الحوار الثنائي الإيجابي رفيع المستوي من أجل إستكمال تطبيع علاقات البلدين خدمةً للمصالح العليا للشعبين الصديقين. ولفتت الخارجية السودانية لقرار الرئيس عمر البشير بوقف إطلاق النار في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، واكدت في ذات الوقت على قدرة الأجهزة العسكرية والأمنية على توفير أقصى درجات الحماية والأمن لزوار البلاد الكرام.