استغربت مثل غيري وأنا أتلقى نسخة إلكترونية مرنة من الكتاب المثير للجدل الذي صدر أمس الأول في الولاياتالمتحدة عن رئاسة دونالد ترمب بعنوان( النار والغضب.. رئاسة ترمب من داخل البيت الابيض). للصحفي مايكل وولف. ففي الوقت الذي تكدست فيه أرتال الكتاب في أرفف مكتبات واشنطون و نيويوركولندن عبر دار نشر هنري هولت وليتل براون جابت نسخة إلكترونية أصقاع الأرض عبر تطبيقات الواتس اب مجاناً دون جزاءً أو شكوراً. ووجدت أن النسخة الإلكترونية المبذولة مجاناً عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي تعود إلى طبعة لندن عبر دار نشر ليتل براون مما يثير السؤال عن الدافع السياسي والقانوني والتجاري لنشر هذه النسخة من الكتاب مجانا في كل أنحاء العالم. تحصلت صحيفة (الغارديان) البريطانية الأسبوع الماضي على نسخة من الكتاب، وقالت إنه فضح رئاسة ترمب وكشف عن خطط طويلة المدى لتغيير خارطة العالم السياسية لكن ربما دون رؤية. كما تبارت وسائل الإعلام الامريكية في استعراض الكتاب بالتركيز على ما كشفه الكاتب مايكل وولف من فضائح وضعف في الأداء السياسي لترمب. ومنها الشكوك المتنامية من مساعديه وأهل بيته في قدراته العقلية. وسرعان ما انتقد الرئيس ترمب مؤلف الكتاب الصحفي مايكل وولف، وقال إنه لم يقابله من قبل ومنعه من دخول البيت الأبيض. وقال وولف مؤلف الكتاب رداً عليه إنه تحدث مع الرئيس ترمب ما يقارب الثلاث ساعات أثناء الانتخابات وبعدها، واستغرب أن يحاول رئيس الولاياتالمتحدة منع نشر الكتاب. يقع الكتاب في 327 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن 17 فصلاً، وقال الكاتب في المقدمة إن هدفه من إصدار الكتاب الذي استغرق تحريره 180 يوماً هو توثيق أداء إدارة الرئيس ترمب خلال المائة يوم الأولى. وأكد مايكل وولف على موثوقية المعلومات التي أوردها في الكتاب مشيراً إليى أنه أجرى اأكثر من 200 مقابلة مع مسؤولين رفيعي المستوى داخل البيت الأبيض من أجل تحرير الكتاب. يعود مصدر الاهتمام البالغ بالكتاب من قبل المراقبين السياسيين في العالم العربي ووسائط الإعلام المتعددة في أنه يكشف أسرار كثير التحولات والقرارات المهمة في المنطقة العربية، خاصة التطورات في منطقة الخليج وحصار قطر وتركيبة السلطة في بعض الدول. وكشف الكتاب في مقدمته بعنوان (أليس وبانون) أن أليس الذي يعتبر الأب الروحي لترسانة الإعلام اليميني المحافظ وقناة ( فوكس) المشهورة وهو صديق مقرب من ترمب سبق وأن أجرى محادثات عميقة مع كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض (بانون)، وقال أليس إنه شجع ترمب على تبني أجندة شعبوية تعنى بطبقة العمال من البيض في ما يعرف بحزام الصدأ في أمريكا. وقال ( بانون) إنه تحدث إلى ترمب على إحداث تحولات عميقة وتاريخية وغير مسبوقة في القضية الفلسطينية وذلك بضم قطاع غزة لمصر والضفة الشرقية للأردن على أن تقدم دول الخليج دعماً مالياً سخياً لضمان تنفيذ هذه التحولات التي أطلق عليها (صفقة القرن). وقد تم اتهام الإدارة الأمريكية أن قرار ترمب القاضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس تعتبر أولى خطوات تطبيق خطة (صفقة القرن). وكشف الكتاب أن أجندة ترمب الصادرة تحت شعار (أمريكا أولاً)، مكتوبة بدقة في كتابه المشهور (فن الصفقة) الذي ضمنه كل خطط رئاسته، لكن نسب مايكل وولف هذا الكتاب إلى مساعد ترمب (مستر شولتز)، وقال إن ترمب لم يقرأه رغم أنه صادر باسمه. لا شك أن إتاحة نسخة مرنة من الكتاب مجاناً في تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي يجعل من الكتاب وثيقة سياسية لإدانة الرئيس ترمب من أجل إطلاق حملة إعلامية ضد سياساته وخياراته وعمل إدارته. وكشف (بانون) في الكتاب أن ترمب لم يسع لكسب الإعلام الأمريكي إلى جانبه بل عمل لمهاجمته ونقده ووصفه بعدم الأمانة في النقل، كما وصفه أيضاً بصناعة الأخبار الكاذبة fake news. وبلا شك أن العلاقة الراهنة بين الإعلام الأمريكي والبيت الأبيض تعتبر أسوأ علاقة بين الإعلام وأي رئيس أمريكي على مر التاريخ. إذ رد ترمب على هجوم الإعلام الأمريكي عليه أثناء الانتخابات ووصفه بأقذع الأوصاف. وبأدله الإعلام الليبرالي هذا العداء ولم يكسب معه إلا قناة ( فوكس نيوز) وهي صاحبة الأجندة اليمينية وكذلك امبراطورية ميردوخ الإعلامية. لكن حملت صحف النيويورك تايمز والواشنطون بوست ولوس انجلوس تايمز نبرة العداء والصدام مع الرئيس ترمب الذي أراد أن يتجاوز احتكار هذه المؤسسات للمعلومات ولجأ للنشاط عبر ( تويتر) وأصدر عدداً كبيراً من تغريداته المشهورة الأمر الذي أدى إلى انتقاده من قبل المراقبين وحتى بعض الرؤساء والوزراء لعل أهمها النقد الذي وجهته له تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا. يكشف الكتاب أن ترمب شخصية متمردة ضد المؤسساتية السياسية Establishments وأنه يصعب توقع فعله أو قياس رد فعله لأنه لا يتصرف كرجل دولة بل راعياً للنظام السياسي الشعبوي الجديد. (نواصل)...