الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.خالد التيجاني النور يكتب: الاتفاقات السودانية-التركية: الدلالات والأبعاد
نشر في رماة الحدق يوم 07 - 02 - 2018


مقدمة
أثارت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السودان أخيرًا ردود فعل واسعة في المنطقة، فما هي حقيقة أجندة هذه الزيارة؟ وما طبيعة الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين؟ وإلى أي مدى يمكن أن تقود نتائجها بالفعل إلى تحولات استراتيجية في موازين القوة على الصعيد الإقليمي بما يؤثِّر على مصالح دول المنطقة بكل تقاطعاتها في ظل التوترات الراهنة؟
والسؤال الأبرز: ما الذي جعل هذه الزيارة تكتسب هذه الأهمية الاستثنائية؟ وهل كانت ستحظى بذلك لو جاءت في ظل ظروف عادية، أم أن تزامنها مع ما تشهده المنطقة من احتقان في العلاقات، وسيولة في الأوضاع، وتحولات في معادلات الاستقرار، لاسيما أن الزخم الذي رافقها كان مصدره الانزعاج الذي أظهرته دول محور "السعودية-الإمارات-مصر"، هو الذي أعطاها تلك الأهمية؟ فهل هناك تطورات حقيقية إلى هذه الدرجة من التأثير تبرِّر هذه التوجسات أم أن ردَّ الفعل كان مبالَغًا فيه، ولم يكن سوى محاولة تضخيم متعمدة لا تستند على حقائق واقعية لخدمة أجندات أخرى؟
وعلى صعيد ذي صلة، تبرز تساؤلات عمَّا يمكن أن تعنيه هذه الزيارة والاتفاقيات التي تم توقيعها لمستقبل العلاقات بين السودان وتركيا، وما الذي يمكن أن تقدمه كل منهما للأخرى؟ وما هي تداعيات ذلك على مصالح السودان الوطنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤثِّر على دوره وعلى علاقاته الخارجية؟
زيارة متأخرة.. أولوية متأخرة
على الرغم مما يبدو ظاهرًا من علاقة وثيقة بين تركيا والسودان في عهدي الرئيسين، أردوغان والبشير، مما يُعزى لاشتراكهما في الخلفية الأيديولوجية للفكر "الحركي الإسلامي"، إلا أن ذلك لم ينعكس في طبيعة العلاقات والمصالح المتبادلة، ومن ذلك أن زيارة أردوغان للسودان جاءت متأخرة للغاية بعد أن "قام بأكثر من 30 زيارة رسمية إلى 23 دولة إفريقية خلال السنوات العشر الماضية"(1). وقد جرى تأجيل زيارة أردوغان لأكثر من مرة، وهذه الاستجابة المتأخرة على الرغم من وشائج تاريخية تربط البلدين، تدلِّل على أن السودان لا يتمتع بأولوية متقدمة في أجندته على الرغم من الانفتاح التركي على إفريقيا في العقدين الماضيين.
علاقات متواضعة
حتى عشية زيارة أردوغان، سجَّلت مؤشرات العلاقات الاقتصادية بين البلدين أرقامًا متواضعة، سواء بمعيار تصور وجود علاقات سياسية متميزة بدوافع الخلفية الأيديولوجية، أو بمعيار حجم الاستثمارات التركية وتجارتها الخارجية على الصعيد العالمي عمومًا أو على الصعيد الإفريقي خصوصًا(2)، وأقرَّ أردوغان بذلك قائلًا: "إن مجموع عدد سكان البلدين الشقيقين، 119 مليون نسمة، لكن حجم التبادل التجاري الراهن البالغ 500 مليون دولار، لا يليق بنا أبدًا"، مضيفًا: "يجب رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، إلى مليار دولار في المرحلة الأولى، ولاحقًا إلى 10 مليارات دولار"(3).
وكانت تركيا قدمت تسهيلات ائتمانية بمئتي مليون دولار لتشجيع الشركات التركية على العمل في السودان منذ العام 2008، كما موَّل بنك تنمية الصادرات التركي بعض مشروعات البنية التحتية في ولاية الخرطوم بمئة مليون دولار. إلى جانب ذلك، قدمت بعض المنح والمعونات الإنمائية، من بينها مستشفى بنيالا في دارفور، وأخرى في الخرطوم، وترميم بعض الآثار التركية في مدينة سواكن (4).
الموقف من المحكمة الجنائية
حرص أردوغان على إبلاغ الصحفيين المرافقين له تجاهل تركيا لطلب المحكمة الجنائية الدولية لتوقيف البشير المطلوب لديها أثناء زيارته الشهر الماضي لإسطنبول للمشاركة في القمة الإسلامية، قائلًا: "إن أمرًا كهذا يثير الضحك، هل سنقوم بهذه البساطة بتسليمكم عضوًا في منظمة التعاون الإسلامي، ويشارك في قمة كهذه، أي نوع من الفهم هذا؟ من المستحيل فهمه، لم نُعِرْه اهتمامًا"(5).
في حقيقة الأمر، لم يكن موقف تركيا من مسألة "الجنائية"، التي تعتبرها الخرطوم بمثابة ترمومتر لقياس متانة علاقاتها الخارجية، دائمًا بهذا الوضوح الرافض للتعامل معها، فقد اضطر البشير لإلغاء زيارة إلى تركيا للمشاركة في القمة الإسلامية بإسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، بسبب الضغوط الأوروبية التي تعرضت لها (6).
ولم يزر البشير تركيا مرة أخرى منذ ذلك الحين إلا في الشهر الماضي للمشاركة في قمة القدس، بعد تحول الموقف التركي في ظل توتر علاقاتها مع العديد من دول الاتحاد الأوروبي.
مضامين الاتفاقيات
تم خلال زيارة أردوغان التوقيع على اثنتي عشرة اتفاقية بين الحكومتين، وتسع اتفاقيات بين القطاع الخاص، وكانت الاتفاقية الأكثر أهمية هي "الإعلان المشترك" عن "برنامج التعاون الاستراتيجي"، والذي تم بموجبه تأسيس "المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي" بهدف "تطوير التعاون الثنائي والإقليمي والدولي بين الدولتين"(7).
وتشمل مجالات التعاون الاستراتيجي "السياسة، والدفاع، والجيش، والأمن، والشؤون الداخلية، والاقتصاد، والتجارة، والجمارك، والطاقة والتعدين، والنقل، والزراعة، والسياحة، والصحة، والتعليم، والثقافة، والعلوم، والمعونات الإنسانية والتنموية، والتعاون الإقليمي في الإطار الإفريقي".
وتم الاتفاق على إطار مؤسسي لتأسيس هياكل ولجان مختصة لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات على ثلاثة مستويات، وهي المجلس الأعلى برئاسة الرئيسين ويجتمع سنويًّا، ثم المجموعة المشتركة للتخطيط الاستراتيجي برئاسة وزيري الخارجية ل "وضع الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات ورفع التقارير والإنجازات ومقترحات الحلول وتفعيل أفق الشراكة الاستراتيجية".
إضافة إلى تشكيل خمس لجان، هي: اللجنة الحكومية المشتركة، واللجنة الزراعية، ولجنة الشراكة الاقتصادية والتجارية، ولجنة التشاور السياسي، واللجان المشتركة في المجالات كافة التي يتضمنها اتفاق برنامج التعاون الاستراتيجي. ومن بين المجالات التي تم التركيز عليها في الوثيقة الاستراتيجية: التعاون في المجال الأمني من أجل "الحرب ضد الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتهريب".
كما تم توقيع اتفاقية "الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين"(8) التي استغرق التفاوض حولها عدة سنوات وسط جدل حول بعض بنودها، حيث طالب أردوغان بامتيازات جمركية لصادرات تركيا إلى السودان، استجاب له البشير وسط تحفظات من الجانب السوداني لحماية المنتجات الوطنية.
أبعاد التعاون العسكري
بدأ التعاون العسكري بين البلدين بمصادقة الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، في 15 مارس/آذار 2013، على قانون "اتفاق إطاري مع السودان بشأن التدريب العسكري والتعاون التقني والعلمي للقوات العسكرية"(9).
وبعدها بنحو عام، استقبلت قوات البحرية السودانية، في منتصف 2014، بميناء "بورتسودان"، أربع سفن حربية تنتمي لمجموعة البارجة "بارباروس" التابعة لقوات البحرية التركية، وشمل برنامجها إجراء تدريبات مشتركة.
كما وقَّع وزيرا الدفاع عددًا من اتفاقيات التعاون في مجالات التدريب العسكري والصناعات الدفاعية، في مايو/أيار 2017، على هامش المعرض الدولي للصناعات الدفاعية (آيدف) بإسطنبول (10).
جدل سواكن: بين الأسطورة والحقيقة
كان الجانب الأكثر إثارة للجدل في زيارة أردوغان ما راج بشأن الاتفاق على إقامة قاعدة عسكرية في سواكن. البحث في وقائع ما جرى بالفعل (11) يكشف أن زيارة أردوغان لسواكن لم تكن مدرجة أصلًا ضمن برنامج الزيارة الرسمية، وقد اقترح السودان إضافتها لاحقًا مما سبَّب ارتباكًا حيث لم تُبْدِ تركيا حماسة بادئ الأمر، ثم تم الاتفاق على ترتيبات الزيارة على النحو الذي جرت به.
هذه الملابسات التي دارت في الكواليس تؤكد أن زيارة سواكن كانت فقرة عابرة في البرنامج؛ مما يجعل الحديث عن "تواطؤ لإقامة قاعدة عسكرية تركية لتهديد أمن البحر الأحمر ودول الجوار" مجرد استنتاج اعتباطي أو منتحل عمدًا لإثارة مخاوف تبرر الاعتراض على التعاون السوداني-التركي، إذ لا يتصور أن أمرًا ذا أبعاد استراتيجية يُدبَّر بهذه البساطة.
وفي حقيقة الأمر، لم يتم حتى اليوم توقيع أي اتفاق بين البلدين حول "سواكن"، ما حدث أن أردوغان قال: "ما رأيته في جزيرة سواكن أحزنني؛ فقد حلَّ الدمار في كافة أرجائها، وكان لنا شرف ترميم مسجدين فيها عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية"، وأضاف: طلبتُ من الرئيس البشير "تخصيص سواكن لتركيا لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم، الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة سيأتون إلى سواكن ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة"(12).
والتخصيص الذي قصده أردوغان في هذا السياق هو ما يُعرف في نظام تعاقدات المقاولات ب "البوت" (B.O.T)
الذي يتكفل فيها المقاول بتمويل وبناء المشروع، ثم تشغيله لصالحه لفترة زمنية معينة يسترد خلالها تكاليف وأرباح المقاولة، كعقد إنشاء مطار الخرطوم الدولي الذي أُوكِل لشركة تركية بتوصية من أردوغان.
ويؤكد وزير السياحة السوداني، محمد أبو زيد، أن الرئيس البشير أعطى موافقة مبدئية لأردوغان، ولكنه أخضع الأمر للدراسة، عبر لجنة تم تشكيلها لمناقشة التفاصيل، ويضيف أن تسويق مشروع إعادة إعمار سواكن كمنطقة تاريخية أثرية يجري منذ سنوات "وقد عرضنا المشروع على العديد من الدول والمستثمرين لاستغلاله كمورد اقتصادي للبلاد" مضيفًا أن الإمارات كانت من ضمن من عُرض عليها المشروع حيث اهتم به الشيخ سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، التي أجرت بحوثًا ودراسات جدوى حولها"(13).
قاعدة أم أنقاض العثمانيين؟
إذن، ما الذي أدَّى لأن يجري تضخيم مسألة سواكن وإضفاء أبعاد تركِّز على جوانب عسكرية مُفترضة، وقاد لانتقادات وهجوم إعلامي على السودان في مصر والسعودية والإمارات، وأخيرًا إريتريا؟
نفى وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، ردًّا على سؤال احتمال دخول السودان في حلف إقليمي مع قطر وتركيا وإيران، بالقول: إن "السودان لم ولن يكون طرفًا في أي محور ولا يؤمن بسياسة الأحلاف". وأكد انفتاحه على "أي تعاون عسكري مع الدول الشقيقة والصديقة، وأي ترتيبات عسكرية مع تركيا واردة"، قائلًا: إن "وزارة الدفاع السودانية منفتحة على التعاون العسكري مع أي جهة ولدينا تعاون عسكري مع الأشقاء والأصدقاء" في إشارة إلى أن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاقات مماثلة مع أي طرف آخر، نافيًا أن يكون الأمر حصريًّا لتركيا، في إشارة إلى تدريبات عسكرية مشتركة متتابعة جرت منفصلة في منطقة البحر الأحمر السودانية خلال الأسابيع الماضية مع قوات إماراتية، وسعودية (14).
ونفى أردوغان عقب عودته أن تكون بلاده تخطِّط لبناء قاعدة بحرية في السودان، قائلًا: "نريد استعادة أنقاض عهد العثمانيين في المنطقة"، وردَّ على سؤال إن كانت تركيا ستبني قاعدة بحرية في ميناء سواكن السوداني فأكد أنه "لا يوجد مثل هذا الميناء العسكري"(15).
ولعل التطور الذي زاد الهواجس كان الاجتماع الثلاثي الذي ضمَّ رئيس أركان الجيش السوداني، الفريق أول عماد عدوي، وقائد الجيش التركي، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الأركان القطري، الفريق طيار ركن غانم بن شاهين الغانم، الذي أكد أن هذا اللقاء الثلاثي "كان محض مصادفة، ودون ترتيب مسبق"، مضيفًا: "الاجتماع مع رئيس أركان الجيش السوداني كان مقررًا عقده في وقت سابق، لكن انشغالاتنا حالت دون ذلك، وتوقيت اللقاء بالتزامن مع زيارة الجنرال التركي، لم يكن مقصودا"(16).
ما وراء التضخيم
ولئن بدا مفهومًا دوافع القاهرة في الهجوم الإعلامي على زيارة أردوغان، في ظل العلاقات المتوترة بين الطرفين، فقد كان لافتًا انخراط وسائط إعلام سعودية وإماراتية أيضًا في هجوم غير مسبوق على السودان الذي لا يزال شريكًا فاعلًا في التحالف العربي في اليمن، فما هي الدوافع التي تجعلها تتخذ هذا الموقف من طرف لا يزال متمسكًا بالتحالف معها؟
ما يدحض الحجة التي تُساق حول قاعدة سواكن المُفترضة، وتهديدها لأمن البحر الأحمر من طرف خارج الإقليم، أن أيًّا من هذه الدول لم تُبدِ أي احتجاج عندما عرض البشير على الرئيس بوتين إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر لحماية بلاده من "التهديدات الأميركية"(17)، فلماذا لم تنزعج هذه الدول من الدعوة السودانية صراحة لوجود روسي في البحر الأحمر؟
تشير الدلائل إلى أن الأمر في حقيقته لا يتعلق بالقاعدة التركية المُفترضة في سواكن، ولا بمخاوف من تهديد أمن البحر الأحمر، ذلك أنه ممر مائي دولي بالغ الأهمية والحيوية للتجارة العالمية والسلم الدولي، ومعلوم أن مسؤولية الحفاظ على أمنه ليست حصرًا على دول المنطقة، وهو ما يُستبعَد معه أن يكون خاضعًا لصراعات وحسابات توازنات دول الإقليم فحسب، ومهما يكن من أمر، فإن تأثير الأجندة الوطنية ستكون محدودة للغاية بحيث لا تشكِّل خطرًا على الأمن العالمي في المنطقة.
إذن، ما الذي جعل السعودية والإمارات ومصر تتخذ هذه المواقف من زيارة أردوغان؟
من الواضح في هذا السياق أن الأمر لا يتعلق بمخاوف حقيقية لديها من تعاون عسكري سوداني-تركي، ولكنه محاولة لانتهاز هذه الفرصة لتصفية حساباتها على خلفية مأزق حصارها لقطر، بالتشويش من جهة على تمدد المصالح التركية، ومن جهة أخرى بالضغط على السودان لاتخاذه موقفًا مستقلًّا بشأن أزمتها مع قطر، ولإعلان البشير مواقف إبَّان زيارته لموسكو حول إيران وسوريا لا تتفق مع خط الرياض وأبوظبي، إضافة إلى مخاطبة المشاغل المصرية بشأن سد النهضة الذي تتهم فيه الخرطوم بالانحياز لإثيوبيا، فضلًا عن انزعاج مصر عن العلاقات الوثيقة بين أنقرة وأديس أبابا.
إلى جانب ذلك، هناك مشاغل ذات طابع أيديولوجي لدول المحور الثلاثي، إذ ترى في العلاقات الوثيقة بين قطر والسودان وتركيا بمثابة تحالف ل"هلال الإسلام السياسي" الداعم للتيار "الإخواني"، وهو ما حدا بصحيفة مصرية إلى وصفه ب"محور الشر"، كما أشار إلى الطابع الأيديولوجي أيضًا وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بحديثه عن "أن التنافس الجيوستراتيجي الجاري في المنطقة، يجعل الحاجة أكثر إلحاحًا لتعزيز المحور العربي وعموديه: الرياض والقاهرة" معتبرًا أن "النظام العربي في مأزق، والحل في التعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة، وأن المنظور الطائفي والحزبي ليس بالبديل، والعالم العربي لن تقوده طهران أو أنقرة بل عواصمه مجتمعة"(18). وفي السياق ذاته، قال الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، إنه له لا يملك معلومات مؤكدة عن "وجود تركي عسكري في سواكن"، لكنه مع ذلك اعتبر علاقات تركيا مع السودان تأتي في إطار أيديولوجي دعمًا لتيار الإسلام السياسي (19).
تهديد يقود إلى تهدئة
ويبدو أن التصعيد الرسمي السوداني المناهض للهجمات الإعلامية عليه من الدول الثلاث قاد إلى فرض نوع من التهدئة عليها خشية أن يمضي البشير في تنفيذ تهديده بالخروج نهائيًّا من التحالف العربي، حيث عمد إلى مناورة جرى فيها سحب بعض القوات السودانية من اليمن تحت غطاء تبديل روتيني، ولذلك سارعت السعودية إلى إرسال مساعد وزير دفاعها لإجراءات محادثات في الخرطوم، وبعثت الإمارات الشيخ منصور بن زايد الذي نفى للبشير دعمها لأي مواقف ضد السودان، وبادر الرئيس المصري للاجتماع بالرئيس السوداني في أديس أبابا داعيًا لمعالجة الخلافات بين البلدين عبر خارطة طريق جديدة(20).
الخرطوم تعيد حساباتها
بغضِّ النظر عن محاولات التهدئة الحالية من قبل محور الرياض-أبوظبي-القاهرة، إلا أن الخرطوم تجد نفسها في كل الأحوال مضطرة لإعادة حسابات سياساتها الخارجية، فبعد ثلاث سنوات من الانخراط في التحالف العربي، تجد أنها لم تحقق أيًّا من أهدافها الاستراتيجية أو مصالح ذات بال من ارتهان علاقاتها الخارجية حصريًّا على هذا المحور، فقد كانت تأمل أن يقود التحول الكبير في سياساتها الخارجية بقطع العلاقات مع إيران إلى أن تجد عونًا اقتصاديًّا من دول الخليج الغنية يساعدها في تخطي صدمة انفصال جنوب السودان، غير أنه للمفارقة فإن أداء الاقتصاد السوداني شهد أسوأ حالاته خلال سنوات هذا التحالف(21).
وهدف آخر كان الرئيس البشير يعوِّل عليه، وهو أن يسهم انخراط السودان في التحالف العربي في المساعدة على حل مأزق المحكمة الجنائية، ولعل أكبر ضربة تلقاها البشير شخصيًّا في هذا الملف تحديدًا جاءته من قبل الرياض حين خضعت للضغوط الأميركية التي رفضت مشاركته في قمة ترامب التي احتضنتها في مايو/أيار 2017، وقد كانت تلك نقطة تحول في ثقة البشير في جدوى هذا التحالف، خاصة عندما يقارنه بالدعم الذي وجده من الدول الإفريقية.
وما زاد من مبررات السودان لمراجعة حسابات وجوده في هذا التحالف، أنه بات يخضع لمحاولة فرض وصاية عليه في علاقاته الخارجية، وهو ما كشفت عنه أزمة الحصار على قطر، فموقف السودان المحايد في هذا الخصوص والداعم لتسوية الخلافات بين الأشقاء بدعمه للوساطة الكويتية، لم يجد استحسانًا من الرياض وأبو ظبي، وقد أسهم الضغط الذي مارسته العاصمتان على الخرطوم في هذا الأمر على تحفيزها لمراجعة علاقاته مع هذا المحور ضمن الأسباب التي أشرنا إليها آنفًا.
مستقبل العلاقات مع تركيا
في ظل هذه الأجواء، جاءت زيارة أردوغان والتي جاءت متأخرة للغاية عند قراءتها بإقامة تركيا لعلاقات اقتصادية متميزة مع العديد من الدول الإفريقية، وهو ما يشير إلى أن العامل الأيديولوجي الذي يُفترض أنه يجمع بين حكومتي تركيا والسودان لم يكن حاضرًا في حسابات أردوغان ولم ينفع الخرطوم في لعب دورها المفضَّل كبوابة إفريقيا لتركيا.
وهناك العديد من العوامل التي تجعل حاجة السودان لتركيا أكبر من حاجتها إليه، بصفة خاصة في المجال الاقتصادي، صحيح أن تركيا لا تملك فوائض مالية لتساعد بها الخرطوم(22)، لكن الأخيرة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك في ظل فشل سياسة الاعتماد لفترة طويلة على "نظرية تدفق الأموال الخليجية" للاستثمار في السودان، وهي مسألة تقف وراءها جزئيًّا أيضًا أسباب ذاتية داخلية، وحتى وجود المؤسسات العربية مثل الهيئة العربية للإنماء الزراعي، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية في الخرطوم لم تُحدِث بعد عقود أية اختراقات في المجال الزراعي الذي كان يروِّج لفكرة أن السودان سلة غذاء العرب.
وفي ظل النمو الاقتصادي الذي تشهده تركيا، وخبرتها المتنامية في مجالات اقتصادية عديدة ومن ضمنها التحديث في القطاع الزراعي، فإن السودان يأمل في أن تفتح له العلاقة مع تركيا بابًا مختلفًا بالاستفادة من خبرتها وتجربتها المتقدمة في هذا الخصوص للنهوض الزراعي مع الموارد الطبيعية الكامنة الضخمة التي تتمتع بها البلاد.
وعلى الرغم من أن السودان الذي تصنِّفه تركيا في إطار الدول الإفريقية جنوب الصحراء، إلا أنه لم يحظَ بالأولوية في انفتاحها على القارة السمراء الذي شهد تطورات كبيرة في السنوات الماضية. وفي هذا الإطار، يستطيع السودان أن يقدِّم لتركيا فرصة كبيرة لتعزيز وجودها الإفريقي، بحكم ثراء موارده الطبيعية، فضلًا عن أن السودان يمكن أن يعمل كمعبر للتجارة التركية مع تكتل "كوميسا"(23)، وأن يكون معبرًا للدول المفتقرة للموانئ في غربه وصولًا إلى مجموعة دول الإيكواس(24).
كما أن حاجة السودان لمشروعات كثيرة في البنية التحتية في مجالات عديدة كالسكك الحديدية، والمطارات، والطرق وغيرها تشكِّل فرصًا لكبريات شركات المقاولات التركية. ولذلك، فإن المجال واسع أمام البلدين لتحقيق مصالح مشتركة ومنافع متبادلة في الفضاء الاقتصادي وتمثِّل القاعدة لعلاقة استراتيجية تتجاوز محدودية العلاقات السياسية العابرة، والأيديولوجية الضيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.