(1) حبيبنا المثقف الرفيع، والمفكر إن شئت، الدكتور حيدر إبراهيم على والحبيب الآخر الكاتب الإسفيري شوقي بدري عندنا من الأخيار، ولا ريب في ذلك. نسأل الله أن يطيل في عمريهما ويبارك فيهما وينفعنا بعلمهما، وأن (يدينا خيرهم). ولكن لفظة (خيرات) التي تراها – أعزك الله - على رأس هذا العمود لا علاقة لها بالخير، أو الخيرات، المأمولة من هذين الحبيبين. وإنما المقصود محل مرطبات شهير في مدينة أم درمان يحمل اسم (خيرات). وسنأتيك إلى أمره. (2) كنت قد طالعت مقالاً للأستاذ شوقي بدري بعنوان (عشم النيني في الضان). وقد عرفت الضأن ولكني لم أعرف النيني. ولعل زميلنا في أخيرة (السوداني) هذه، الكاتب الصحافي القصاب وتاجر المواشي محمد محمد خير، يتفضل علينا فيفتينا ويزيدنا علماً عن كنه هذا النيني وماهيته وعلاقته بالضأن. وفوق كل ذي علمٍ عليم. مما جاء في المقال: (اتصل بي المفكر السوداني حيدر إبراهيم علي مستفسراً عن امتلاك دكتور يوسف القرضاوي لمحل "خيرات"، وهو محل مرطبات في المحطة الوسطى في أم درمان. والأخ حيدر مفكر لا تفوت عليه شاردة أو واردة). الشخص المقصود هو نفسه الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وأحد أبرز علماء السنة في العصر الحديث. وقد رد شوقي على سؤال صديقه حيدر بالتأييد، مؤكداً أن محل مرطبات (خيرات) هذا، الذي كانت تباع فيه ساندوتشات السمك والبفتيك والسجق والكبدة والطعمية، وعصائر الجوافة والمانجو والموز والبيبسي كولا، كان مملوكاً بالفعل للشيخ القرضاوي. كما أكد أن العالم الجليل يوسف القرضاوي كان يقيم فعلاً في منزل مواجه لمساكن آل عمر الإمام بمدينة أم درمان خلال الستينيات، واستطالت إقامته، فيما يبدو، حتى امتلك العقارات والشوايات وطاسات الطعمية وخلاطات الموز والمانجو! المعلومة جديدة بالنسبة لي، إذ لم ترد من قبل في أي مصدر تاريخي أو دراسة محترمة أو غير محترمة. ومن الجديد الشديد الذي ورد في ذات المقال معلومة تقول بحسب النص الوارد: (القاضي حسن الهضيبي، خليفة الإمام حسن البنا، كان مقيماً في السودان، واقتيد منه إلى مصر حيث جرى إعدامه شنقاً). ولكننا نعلم بالطبع الشيخ حسن الهضيبي، خليفة الشيخ الإمام حسن البنا، مات في سريره بعد مرض قصير، ودفن في مقابر الصدقة بالقاهرة بناء على وصيته. وقد كتب في أمر وفاته تلميذه الشيخ محمد الغزالي: "من أيام مات الأستاذ حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، وبلغتني وصيته: لقد أوصى أن يُدفن خفية، لا إعلان ولا مواكب، وطلب أن يوارى جثمانه في مقابر الصدقة"! (3) أي نعم شوقي موسوعة أمدرمانية، ولكنني أنصح الحبيب حيدر إبراهيم عند حاجته إلى معلومات بشأن الأخوان المسلمين المصريين الذين عاشوا في السودان أن يلجأ إلى حبيبنا المؤرخ الدكتور حسن مكي، بدلاً من شوقي. حيث أن مكي يحتفظ بملف كامل عن جميع الأخوان المسلمين المصريين الذين مروا بالسودان عرضاً، أو الذين أقاموا فيه إقامة دائمة، بينما يحتفظ شوقي فقط بملف (الأخوان الشيوعيين)! صحيح أن هناك عدداً من الأخوان المسلمين المصريين، ممن لم يتسنّ لهم، خلال سنوات الاضطهاد الناصري التسرب عبر ليبيا أو البحر أو حتى عبر مطار القاهرة، كمغامرة القيادي الأخواني حسن العشماوي (وهي مغامرة بالغة الطرافة وردت في كثير من كتب المذكرات)، فروا إلى السودان. ومعظم هؤلاء كانوا من صفوة النخبة، ولكنهم اتخذوا من السودان معبراً عاجلاً إلى المملكة السعودية ودول الخليج، ولم يطل مقامهم فيه، إذ كان هؤلاء يخشون أن تطالهم في السودان يد المخابرات المصرية الباطشة. ولم يختر الإقامة في بلادنا من بين هؤلاء الكيزان المصريين إلا أقل القليل، منهم الأستاذ المحاسب محمد مدني سبال الذي استقر بين ظهرانينا وتزوج بالأستاذة ثريا أمبابي، إحدى رائدات الحركة الإسلامية السودانية. إلا أن القرضاوي، بحسب إفادة جميع من استفسرت من رؤوس الإسلاميين، لم يكن من بين هؤلاء. (4) تقول السيرة الذاتية للشيخ يوسف القرضاوي إنه اختار الاغتراب مبكراً فهاجر واستقر في دولة قطر مطلع الستينيات قبل أن يشرع النظام الناصري في اضطهاد الأخوان المسلمين. وهو الأمر الذي حال بينه وبين الوقوع في دائرة الاضطهاد التي بلغت ذروتها بإعدام سيد قطب وصحبه في العام 1966. ولهذا السبب تأخر عن أقرانه في الحصول على درجة الدكتوراه، فلم ينلها إلا متأخراً في سبعينيات القرن الماضي. وليس في هذه السيرة ما يدل على أن الشيخ يوسف القرضاوي كان له في مدينة أم درمان محل مرطبات، أو سيارة أجرة، أو كشك سجائر، أو حتى مسطبة لبيع البطيخ. وعلى الحبيبين حيدر وشوقي أن يدفعا متضامنين تعويضاً عادلاً عن الضرر المعنوي الذي ألحقاه بالملاك الحقيقيين لمرطبات (خيرات)، مقداره مائتان وخمسون كيلوجرام من الضان والنيني!