والي شمال كردفان كان أكثر ثقة وأمانة حين أعلن مطالبة ولايته بضمها ضمن المناطق التي تأثرت بحرب دارفور خلال السنوات الماضية وهو المطلب الذي وجدت ارتياحاً وسط الجماهير ووصفوه بالموضوعية وعدم «طبطبة» القضايا، بجانب حديثه عن تعويض مجزٍ للمتضررين جراء الخسائر المادية والبشرية التي خلفتها الأحداث المتكررة وإعطاء «ود بندة» أولية في تنفيذ المشروعات التنموية التي ستنفذها حكومة الولاية خلال هذا العام.. إن حكومة «المعتصم» التي كشف الستار عنها قد شغلت الناس قبل أن تعلن وربما سيتواصل انشغالهم بها مدحاً وقدحاً حتى يستبين العكس. لا جدارَ فاصلاً بين قضايا شمال كردفان وهموم محلياتها التنموية والخدمية، ومن هنا أحسب أن انشغال الناس وحديث مجالس المدينة في عروس الرمال حول الحكومة الجديدة قبل وبعد ميلادها يأتي ضمن هذا السياق باعتبار أن الجهاز التنفيذي في أيٍّ من مستوياته هو الذي يتوقع أن يحدث الإنفراج ليس لأن البعض من الدستوريين يحمل بيده عصا سحرية تصنع المستحيل، لكن وبمثل «إن من البيان لسحرا ومن الشعر لحكمة» فإن معيار اختيار الشخصية التنفيذية من حيث شخصيته وعلاقاته وقدراته المعرفية والذاتية تمثل عصب المهمة والخطوة الأولى على سلم النجاح، لأن الذي تتوفر فيه الحكمة والقدرة في اتخاذ القرار والمتابعة سيمضي بقوة على طريق النجاح والفلاح وسيحقق قدراً من الرضا في أدائه لوظيفته العامة بخلاف المتردد، ومن يرى في المهمة الدستورية وظيفة للمعاش والاستيزار إنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة إلا من أداها بحقها.. حكومة شمال كردفان الجديدة حملت بعضاً من الوجوه الشبابية التي يرى كثيرون أنها محاولة ناجحة من الوالي هدفت إلى كسر محاولات البعض النيل من تجارب الشباب التي ابتدرها الوالي الأسبق الدكتور «فيصل» ومن خلال التجربة قد حرص «المعتصم» على اتخاذ مسار ينسجم مع المواقف خاصة أن من بين الشباب الجدد ضمن الذين شهدوا بدر الإنقاذ وهم طلاب بالجامعات وقتها وسجلوا أسماءهم ضمن الصفحات المشرِّفة لشباب الإنقاذ أيام الجهاد والاستشهاد، من هؤلاء معتمد «ود بندة» الجديد «معاوية محمد المنّا» الذي عرفناه مجاهداً ذا بأس وقوة وهو رجل فَطِن وذو حكمة، فقد كان أميرنا في إحدى المتحركات بالنيل الأزرق ويحمل قدراً من التأني في التفكير وبُعد النظر ومثلٌ أعلى في القدوة الحسنة.. جاء في قائمة الشباب الجدد أيضاً حمد النيل محمد حامد الذي خلف محمد النذير البكري في محلية أم دم حاج أحمد وهو من شباب المشروع الإسلامي العريض وضمن الذين يعجب الإنسان حين يطالع تاريخهم في مسيرة عمل قطاع الطلاب هو كذلك من أولئك الذين حولوا مجرى التاريخ في بلادنا منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وهم الذين شيّدوا بدمائهم وأشلائهم أعظم صرح هو الإنقاذ، مشروع التغيير الأضخم، وفي اختيار حمد النيل ل «أم دم» حكاية ربما لا يراها البعض، لكن سأجتهد لكشف جزء من ملامحها وأقول إن «معتصم ميرغني» ربما قصد من هذا التعيين أن يرسل رسالة للوالي الأسبق الذي لا تزال الولاية تذكره بخير «د. فيصل» مفادها أن هذا «زولك» وأسندنا إليه مهمة «محليتك» باعتبار أن البحرية مسقط رأس «فيصل تتبع إدارياً وجغرافياً إلى «أم دم حاج أحمد» كما أن حمد النيل كان في السابق يشغل منصب المدير التنفيذي لمكتب الدكتور فيصل إبان ولايته الأخيرة وكان مسؤولاً عن الحملة الانتخابية للدكتور فيصل في الانتخابات الأخيرة ، والكرة الآن في ملعب الجميع «المعتصم»، «د. فيصل» و«حمد النيل» ماذا هم فاعلون بهذه المحلية التي تحتاج الكثير..!! شاب آخر أُبقي عليه في التشكيل الجديد، معتمد سودري بشير دفع الله خوجال، هو أيضاً من الذين أرغموا أنف الحوادث وأخضعوا رقاب الجبابرة، شباب يقودهم الشهداء علي عبد الفتاح وماجد كامل والمعز عبادي ومحمد عبد الله خلف الله وقائمة طويلة لا تسعها صحائف ولا مدونات حول شباب المشروع وقائمة أخرى من المنتظرين تخضّبت سوح الجهاد بدمائهم وكتبوا عبرها أجمل فصول الإنقاذ «خوجال» منهم ربحت به من قبل محليته سودري ولا تزال والمرحلة المقبلة ينتظر منه أهله الكبابيش ومن ساكنهم من القوميات والقبائل الكثير..!! التغيير أبقى على بعض القيادات في وزاراتهم منهم الفريق أول ركن محمد بشير سليمان وزيراً للزراعة والثروة الحيوانية والمهندس خالد عبد الله معروف وزيراً للموارد المائية والكهرباء والطيب حمد أبو ريدة وزيراً للتربية، هؤلاء ليسوا بعيدين عن المحيط الوجداني لهؤلاء الشباب ويتوقع أن يحدثوا انسجاماً خاصة إذا أضيف لمجموعة الذين تم الإبقاء عليهم أمير الحركة الإسلامية بالولاية الشيخ المهذّب الودود الدكتور صلاح الدين الهادي وهو مستشار للوالي إلى جانب الرجل المتسامح والداعية المؤثر الشيخ صلاح الدين حمدتو زعيم أنصار السنة بالولاية والمعتمد برئاسة الولاية، هذه القيادات تعد تواصلاً لنجاحاتهم، اختلف الناس حولها أو اتفقوا كما أنهم يحملون خبرات تراكمية ومنهم من كان قيادياً مميزاً على مستوى المركز وفي سجله أنواط وأوسمة وشارات جدارة، كان البعض يدخره لمهمة مركزية لكن تخطّفته الولاية وصار لاعباً محترفاً في الدوري الفدرالي. هذه المعالجة ربما تصنع نجاحاً وتحدث اختراقاً ما لم تهزمه مخاوف أهل الولاية من فشل بعض الأسماء التي تم استبدالها من موقع لآخر رغم أنها لم تقدِّم ولو القليل في تكليفاتها السابقة كما أن الاحتفاظ ببعض الأسماء من المعتمدين قد أثار موجة سخط وإحباط لدى البعض من جماهير الولاية الذين وصفوا التغيير من محلية إلى أخرى لا يضيف شيئاً في قدرات الشخص لأن البيئة واحدة واحتياجات المحليات والولاية متشابهة في موقفها العام، فمن فشل في شرق الولاية لا يضيف شيئاً في غربها وكذلك الحال في بقية أجزاء الولاية، التي لا تحتمل مدنها التجريب وهي التي قد اتسعت داخلها مساحة المعرفة وصار أهلها يتلقفون السياسة وجدل الحكم..!! كان الناس ينتظرون عملية هيكلة مصاحبة للتغيير ليس بالشكل المحدود الذي برز حتى يكون أبرزها إنشاء وزارة متخصصة للثروة الحيوانية فلا يعقل أن تكون ولاية مثل شمال كردفان يعيش داخل أراضيها أكثر من «27» مليون رأس من الماشية، أن تدار كل هذه الأعداد من الماشية بجانب المحاجر بواسطة إدارة داخل وزارة الزراعة، فالأفضل لحكومة الولاية وحتى تتمكن من تطوير هذا القطاع الحيوي الذي هو أحد أعمدة الاقتصاد الوطني أن تخصص له وزارة وتسند مهمتها لكادر متخصص يستطيع أن يفعل شيئاً بشأن هذا القطاع..!! المهم في الأمر أن تعلو همة السياسي أو التنفيذي لتعانق هموم وأولويات المواطن وإلا ستحدث الفجوة عاجلاً أو آجلاً. كل ما يرمي إليه أهل الولاية سواءً كانوا تنفيذيين أو سياسيين أو مواطنين، رأس الرمح فيه الإعلام فإذا كان مكبلاً بالبيروقراطية وضيق الأفق وحصره في مساحة الوظيفة العامة عند ذلك سيذهب كل شيء ولن تخرج للعالم أو المجتمع المحلي لا ثقافة ولا اقتصاد ولا عادات وتقاليد وسيهزم الجميع هزيمة فاجعة لأن الذي يخدم الجماهير يريد أن يعرِّف الناس أنه يعمل ويجتهد ومن يطلب الخدمة كذلك يريد أن يُعرِّف العالم والجميع أنه محتاج حتى يستبين الطريق لمن يريد تقديم الخدمة، وهنا يتوقع الجميع حدوث فجوة عميقة في الإعلام خلال المرحلة المقبلة خاصة أن «الوالي» معتصم ميرغني قد اعترف في لقاء أجريناه معه عقب زيارة الدكتور نافع بمطار الأبيض اعترف قائلاً: إن ولايته بها عدم تنسيق إعلامي مما جعل هناك ربكة في التعامل مع ملفات الولاية إعلامياً..!! في محلية جبرة الشيخ نأمل أن لا يتكرر الالتباس واختلاط الأوراق وأن تنتفي ظاهرة الجهوية والقبلية البغيضة التي تمددت في جسد المحلية خلال المرحلة السابقة وقد أطاحت بالمعتمد الخلوق المهندس نصر الدين حميدتي وبابن المنطقة محمد علي عبد الله وهو من أبناء جبرة الشيخ وابن خالة الشيخ الورع الشيخ عبد الوهاب الحبر خليفة الشيخ الكباشي، كان الجميع يتوقع أن تسند حقيبة المجلس الأعلى للشباب والرياضة إلى نصر الدين حميدتي باعتباره كادراً رياضياً وزول «كورنجي» ويتمتع بعلاقات رأسية وأفقية على مستوى المؤسسات الرياضية بالمركز والاتحادات الرياضية بالولايات.. لكن تفاجأ الجميع بتعيين المحامي أحمد صديق رحمة.. تلك كانت جملة ملاحظات بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي حول حكومة شمال كردفان الجديدة تأسيساً على قراءة الرأي العام لأهل الولاية والمراقبين وهو تقييم مبدئي لحكومة لم تبلغ سند التكليف والتقويم ننتظر حتى تبدأ مشروعاتها الفعلية والأساسية لنرى ماذا حققت من طموحات، فإذا أحسنت سنبث البشرى وقتها وإن أساءت سنقدِّم النصح.. وندعو الله أن يبرم لها أمر رشد يُصلح به الحال ويعزُّ به أهل الولاية خيراً ونفعاً..!!