قبل أن تتفق الأحزاب المنضوية تحت لواء الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني على أطر جديدة وسياسات واضحة المعالم تمكِّنها من العمل بروح الجماعة المعارضة للنظام وترتيب بيتها الداخلي، يكون حزب الأمة القومي قد وضع النقاط على الحروف وحزم أمتعة الرحيل للعمل بعيدًا عن ضوضاء الهيئة للتفكير في مخرج جديد لأزمات يرى أن البلاد تواجهها من باب قراءته السياسية لواقع الحال، في حين إن العلاقة بين قوى الإجماع وحزب الأمة لم تكن عصية على الفهم تستدعي البحث والتنقيب عن مواقف جلية لتحديد نقاط الخلافات التي أثارتها حدة التصريحات بين الطرفين حتى وقت قريب لاسيما بين الأمة والشعبي الحليف الإستراتيجي للتحالف، واتخذ بموجبها الحزبان مواقف سياسية معادية لولا تدخل الوسطاء، فالاتجاه السائد للحزب هذه الأيام في التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته ظروف سياسية بالغة التعقيد، يسير نحو اعتماد سياسية أكثر مرونة لتغيير النظام، رحبت بها قيادة الوطني ممثلة في رئيس القطاع السياسي بالحزب د. محمد مندور المهدي، عقب الأحاديث التي أطلقها رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي من أحد معاقل الأنصار بمحلية سنجة التابعة لولاية سنار عقب زيارة لها الجمعة الماضية حضر خلالها فعاليات سياسية متعددة لحزبه هناك، لم تكن هي الزيارة الأولى التي تستقبله فيها الحكومة تحت حماية أمنية وشرطية مكثفة لموكبه، ولن ينسى مؤيدوه حفاوة الاستقبال والترحاب التي قابلهم بها والي شمال كرفان معتصم ميرغني زاكي الدين على مشارف مقر حكومته بمدينة الأبيض ووفر لهم خلالها ما وفره والي سنار أحمد عباس من تأمين لموكب الإمام الذي فاق ال «40» سيارة لحظة الدخول إلى الولاية وحتى إتمام الزيارة التي لم يعكر صفوها سوى قلق المهدي وانزعاجه في بعض الأحايين من ترديد شعارت «الشعب يريد إسقاط النظام» من بعض جماهير الحزب في اللقاءات الحاشدة التي نظمتها قيادات الحزب بولاية سنار لجهة أن زيارته تأتي في إطار التعريف بالأجندة الوطنية التي اعتمد الحزب من خلالها سياسة التغيير عن طريق القوة الناعمة المتمثلة في المقولة التي ظل يرددها المهدي في أكثر من مناسبة «حل بالليد ولا حل بالسنون»، ولم يكن منعه لأنصاره ومؤيديه من الهتافات أثناء مخاطبته اللقاءين الحاشدين بمدينة سنجة ومنطقة كنيزة فلاتة إحدى قرى المحلية إلا من هذا الباب الذي ما إن فتحه حتى دبّت الراحة إلى فؤاد النظام الذي لم يتردد في وصف مسلك الأمة القومي بالمعارضة الرشيدة.. فالساعات التي قضاها المهدي برفقة قيادات حزبه البارزين وهم نائبه اللواء فضل الله برمة ناصر، رئيس المكتب السياسي للحزب د. سارة نقد الله، الأمين العام للحزب الفريق صديق محمد إسماعيل، وأمين الاتصال التنظيمي والقيادية بالحزب د. مريم الصادق المهدي، وفرت شرحًا لطبيعة العمل الذي ينتهجه الحزب خلال المرحلة القادمة، وبدأ ذلك من خلال اللقاءات المكثفة التي انخرط فيها الحزب مع عدد من مسؤولي الولاية انتهت بالمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التنشيطي للمرأة بالولاية وجّه خلالها المهدي عدة رسائل حوت مضامين تنظيمية وفكرية أراد مشاركة المرأة فيها والخروج بتوصيات تعين المركز في خططه السياسية، ورسالة خاصة جاءت ردًا على ما اعتبرها قيادات الحزب حملة شرسة استهدفت النيل من رئيسهم وإضعاف الحزب وإشغاله عن دوره السياسي الذي يقوم به، ولم يضيِّع الإمام فرصة مناسبة للحديث والدفاع عن آرائه في المرأة أمام نساء الحزب والنيل من خصومه بطريقة تحاشى فيها التجريح إلا أنه نفى إدراكهم للفقه، وأوضح قائلاً: «إن بعض من يسمون أنفسهم بالفقهاء لديهم موقف أساسي من المرأة ويرون أن في اضطهادها تقربًا إلى رب العالمين»، واستنكر استدلالهم بأنها ناقصة عقل ودين، وأضاف، هم بذلك يسيئون إلى زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم ونساء النبي وإلى الإسلام، وهؤلاء ضد العقل ولا يعترفون بالكيان الروحي، وأوضح أن الأحاديث التي يستدلون بها لا يصح أن ننسبها إلى معلم البشرية ولا إلى سيرته»، ودعا إلى إزالة المفاهيم الخاطئة في حق المرأة وإلى تفعيل دورها التنظيمي والفكري والبرامجي في حزبه وتبني سياسات جديدة وعمل مشروعات قومية بعيدًا عمّا وصفها بالمشروعات «الملغومة» للمرأة التي تأخذ شكلاً قوميًا ولكنها ليست كذلك، حسب تعبيره، ودعاهنّ لاعتماد سياسية حزبه في التغيير لنظام جديد والتفريق بينه وبين الإسقاط الذي قال إنه وسيلة وليس غاية في حد ذاته، وذلك عقب شعارات رددها بعض من حضرن المؤتمر. لم يتردد الإمام عقب مشاهدة أنصار الإمام المهدي المتراصين على جنبات الطريق يهتفون بحياته منذ اليوم الأول لدخوله الولاية حتى خروجه منها، لم يتردد في وصف حزبه بأنه أصبح عظم الظهر للبلاد، إلا أنه نبّه على عدم استخدامه تلك القوة الجماهيرية لأذى الآخرين، وأشار لتعامل الحكومة مع حزبه بمنطق القوة ومحاربة عناصره وتشريدهم خلال الأعوام الماضية، إلا أنه قال لجماهير الحزب خلال لقاء حاشد بقرية الكنيزة فلاتة «لا نفع معانا تهديد ولا إغراء، والجماعة ديل الدرب راح عليهم في الموية لكن نحن بمرقوا بس بشروط»، تلك التي وردت في الأجندة الوطنية، وأضاف، أن كل محاولات التمكين التي انتهجها الوطني السنوات الماضية أضحت مكشوفة وقد سئم منها الوطني ومن الانفراد والعناد. وبتوجيه رسالة لحاملي السلاح من الحركات المسلحة وتحذيرهم من استخدام القوة من جوبا لضرب الخرطوم يكون المهدي قد حدد الطريق لمعارضته على خلاف بعض أحزاب التحالف المعارض التي لم تخف مساندتها لتلك الحركات وتشجيعها لتغيير النظام حتى لو استدعى ذلك القيام بثورة مسلحة ضد المركز لم يستبعد حدوثها زعيم الشعبيين د. حسن عبد الترابي.