قلنا إن أجهزة المخابرات تفضل استخدام مواطني الدولة الهدف للتجسس وجمع المعلومات أو تكليفهم بمهام معينة، وكل ذلك يتم في سرية تامة وبحذر شديد ذلك أن عيون أجهزة المخابرات للدولة الهدف يفترض أن تكون في قمة اليقظة والاستعداد وتخصص أجهزة المخابرات وحدات خاصة للقيام بالأعمال الوقائية اللازمة لصد تيارات التجسس الواردة إليها وفي الغالب ما تُعرف هذه الوحدات بالمخابرات الوقائية ويمكن تعريفها بأنها المعرفة والتنظيم والتحليل للنشاط الذي يتم توجيهه بهدف القضاء على نشاط الجواسيس والعملاء السريين للعدو واستغلاله ومن ثم السيطرة عليه. وهناك نوع آخر من التجسس يمكن تسميته بالتجسس السياسي، وهو نشاط تجسسي تقوم به البعثات الدبلوماسية التي لا تزال هي الوسيلة الرئيسية للدول لجمع المعلومات السياسية من مصادرها العلنية، وتستعين في ذلك برجال مخابرات متخصصين يكونون ضمن طاقم البعثة الدبلوماسية الرسمي ومدعومين بعملاء وجواسيس محترفين، ويتحدد مستوى النشاط التجسسي ودرجته في هذا النوع من التجسس بطبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين، فإذا كانت ذات طابع أمني يكون مستوى النشاط التجسسي كبيرًا ومتزايدًا، والعكس صحيح، والمثال الواضح لذلك تجسد في العلاقات السودانية المصرية إبان عهد الرئيس مبارك حيث كان ملف العلاقات مع السودان بيد المخابرات العامة المصرية وليس وزارة الخارجية لذلك فقد كان السودان ساحة سهلة منبسطة بلا تضاريس للمخابرات المصرية إبان عهد الديمقراطية الثالثة، لكنها انكمشت وتم التضييق عليها إلى حد «العمى» بعد يونيو 1989، حيث سد السودان كل الثقوب والنوافذ والأبواب التي كان يؤتى من قبلها من الجارة الشمالية وأخذ هذا التضييق منحىً تصاعدياً وبسبب ذلك دارت حرب استخباراتية باردة لكنها شرسة بين البلدين إبان احتضان مصر للتجمع الوطني الديمقراطي، وعلى رأسه الحركة الشعبية وبلغت هذه الحرب ذروتها في العام 1995 وامتدت آثارها الجانبية وتداعياتها حتى العام 2000 حيث لم يعد أمام القاهرة إلا الانفتاح على الخرطوم وإدارة علاقاتها معها وفق مبدأ تبادل المصالح. نعود لنبين كيف يتم تجنيد العملاء والجواسيس، ونقول إن هناك عوامل كثيرة لتجنيد العملاء ولكن هناك أربعة منها رئيسية هي: المال، العاطفة «توجهات أيديولوجية، دوافع الانتقام» المخدرات الجنس. أما العامل الأول وهو المال فتقوم الجهة المستخدمة باستغلال الضائقة المالية التي يمر بها الهدف واحتياجه الشديد للمال، حيث تتدخل هذه الجهة تحت غطاء معقول لا يثير الشك بحل هذه الضائقة فيصبح الهدف مديناً وممتناً ومن ثم مهيئاً للوقوع في الفخ.. أما العامل الثاني وهو العاطفة فغالباً ما تستغل الجهة المستخدمة التوجهات الأيديولوجية للهدف سواء كانت دينية أو فكرية أو عنصرية كمدخل مناسب لتجنيد العميل خاصة إذا كانت هذه المعتقدات متعدية للحدود الجغرافية للدولة فتقوم بالعزف على هذه الأوتار بحيث يقوم الهدف بتقديم هذه المعتقدات على انتمائه الوطني لبلده.. كما أنه يمكن استغلال الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام من المجتمع أو من النظام السياسي القائم في البلد الهدف أو الرغبة في استعادة سلطة أو وضع اقتصادي أو اجتماعي معين. والعامل الثالث هو المخدرات، وكيف لا وهي أم الكبائر فمتعاطي أو مدمن المخدرات بكافة أنواعها هو فريسة سهلة جداً لصائدي العملاء والجواسيس ولا يكلف صيد هذا النوع سوى توفير هذه الآفة له وربط ذلك بالتعاون والرضوخ لمطالب الجهة التي ترغب في تجنيده واستخدامه.. والعامل الرابع هو الجنس ويشتهر جهاز الموساد باستخدام هذا العامل بكثافة خاصة تجاه المستهدفين من العرب والمسلمين، وفي هذا العامل تقوم الجهة التي تريد تجنيد الهدف بالإيقاع به بطريقة تبدو طبيعية وكأنها مصادفة، ومن ثم ضبطه وهو في حالة تلبس، أو التصوير السري للعملية كلها ثم عرضها عليه لاحقاً والتهديد بفضحه في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم والتي يحرصون على أن تكون بسيطة في البداية وتجعل الهدف يستجيب لها ليتخلص من الورطة ولكن تكون هذه الاستجابة بمثابة الطعم الذي يبتلعه الهدف ولا يستطيع التخلص منه أبداً تماماً مثل السمكة التي تبتلع الطعم ومعه خطاف الصنارة!. كما يمكن «دبلجة» صور فاضحة للهدف في حالة امتناعه عن الانزلاق في علاقة جنسية لوازع ديني أو أخلاقي أو لأي سبب آخر ومن ثم تهديده بها، خاصة وأنه قد حدثت طفرة هائلة في طرق ووسائل دبلجة الصور عن طريق أجهزة الكومبيوتر تعطي نتائج بالغة الدقة في الفبركة والتزييف. والأنشطة التي يقوم بها العملاء والجواسيس كثيرة لا حصر لها وكلها تصب في خانة النشاط الاستخباراتي والتجسسي وكل ذلك يكون في صالح الدولة المستخدمة وفي ضرر الدولة الهدف، ومكاسب الأولى هي بالمقابل خسائر فادحة للثانية، ومن هذه الأنشطة: جمع المعلومات بطرق سرية أو علنية، تجنيد عملاء جدد ومخبرين، وتكوين شبكات عنقودية منهم، القيام بعمليات تخريب، تنفيذ عمليات خطف أو اغتيال إضعاف الروح المعنوية والوطنية عبر نشر الشائعات المحبطة، القيام بأنشطة تجارية واقتصادية هدامة، نشر معتقدات وأفكار مصادمة لأفكار ومعتقدات الدولة الهدف، جمع المعلومات عن الجماعات المعارضة للنظام في الدولة المستخدمة - دعم الأقليات و الجماعات المناوئة لتوجهات الدولة الهدف وتحريضها وإثارة قضاياها ضد الدولة، نشر الفساد والأمراض الفتاكة مثل الإيدز، ومثال ذلك ما حدث في إحدى الدول العربية المجاورة حيث تم الكشف عن شبكة عملاء مكونة من رجل وابنته الحسناء وفتاة ثالثة أخرى يعملون لصالح الموساد وحاملين لفيروس الإيدز جاءوا لهذه الدولة للقيام بمهمة محددة وهي نشر هذا المرض الفتاك في أوساط أبناء كبار المسؤولين بالدولة عن طريق ممارسة الفاحشة معهم، وذلك الأمريكي الذي دفع به الموساد في مهمة مشابهة ولكن تختلف في هدفها عن الأولى حيث كان يستهدف أطفال الشوارع والمشردون لنشر هذا المرض بينهم، كذلك قضية الممرضات اللائي حقنّ الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز في ليبيا والتي انتهت على النحو المعروف بصفقة وافق عليها القذافي للتقرب من الغرب ولكن على حساب حقوق ذوي هؤلاء الأطفال وكرامة الشعب الليبي، ورغم ذلك كان الغرب أول من وجه إليه الضربات القاتلة ودائماً هي كذلك نهايات العملاء .. «نواصل».