ِِِِِِِمكالمات عديدة تلقاها السيد مشلهت منذ عودته من السودان بعد أن ذهب في إجازة اضطرارية كل تلك المكالمات كانت تدور حول موضوع واحد وتحمل مضموناً واحداً. ِِِيعني كان في داعي تحرجنا مع الجماعة بالشكل دأ؟ وبالطبع ليس هناك داع للاحراج بأي شكل من الأشكال، فالسيد مشلهت لم يتعود أن يسبب إحراجاً لأي شخص إلا أن الوقائع التي بين أيدينا تقول إنه تسبب في عدد من الإحراجات التي ربما تنتج منها كوارث وطلاقات ومقاطعات رهيبة وهو إن كان يدري أو لا يدري فقد أدرج الجماعة اسمه ضمن تلك الفئة التي لا فائدة منها ولا يرجى منها أي خير .. وحكاية الإحراجات بدأت منذ اليوم الذي قرر فيه مشلهت أن يذهب للسودان في إجازة اضطرارية استدعتها ظروف مرض والدته وبما أنه أكبر إخوانه وأقربهم إلى السودان حيث إن إخوته تناثروا في أنحاء المعمورة كان عليه أن يسافر ليكون معها ولكن الأخ مشلهت لم يكن يعلم فضيلة الصمت أو الإجماع السكوتي فلم يسكت عن التصريح بأنه قد حجز على الطائرة الميمونة للسفر إلى السودان وبما أن الذين يعلمون بواطن الأمور يعرفون ميزة الحكمة التي تقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان إلا أن أحداً منهم لم يتطوع ليوجة السيد مشلهت إلى مغبة تصريحه ذلك، فحدث ما حدث إذ سرعان ما انتشر خبر سفر مشلهت إلى السودان إلى جميع الأرجاء وعم القرى والهجر فكان أن تلقى أول مكالمة من الدمام من صديقه وبلدياته السيد مشغول شديد: أسمع يامشلهت أنا سمعت إنك مسافر للسودان وما ليك حق ما تقول لينا يا أخي انت مش عارف إنو نحنا محتاجين لزول نرسل معاهو حاجات للجماعة؟ على أي حال أكتب عندك طاقة قماش تترون من النوع اللي فيهو 3 تفاحات دا توديهو للوالد أول ماتصل وعلبتين حليب نيدو وكرتونة صلصة وصندوق ماجي أبو بقرة توديهم لأولادي في الكدرو أصلو بكونوا محتاجين للحاجات دي ضروري توديهم وتوب بوليستر مشجر للولية يعني حاجات في حدود 500 ريال وأنا لما تجي راجع بكون جهزت ليك القروش. وبرغم من أن هذه الأشياء ستكلفه ذلك المبلغ المؤجل دفعه إلى ما بعد رجوعه إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في «تلقيط» هذة الأشياء من السوق وأنها ستستغرق زمناً هو في أشد الحاجة له ثم إنها أيضاً ستكون على حساب الزمن الذي كان ينوي أن يقضيه مع والدته المريضة إذ لا بد من الذهاب إلى الكدرو لتوصيل تلك الأشياء. وهو في حيرته تلك رن جرس التلفون وكان المتحدث صديق آخر من جيرانه يطلب فيه من مشلهت أن يشتري عمرة مكنة عربية كرونا موديل 76.. أسمع يامشلهت أكتب نمرة الشاسية والبارت نمبر عشان الراجل يديك الإسبيرات الصاح وبالله وصلتك كدا تمشي توديهم لعبد الله أخوي في المنطقة الصناعية جنب صهريج الموية وأديهو 250 ألف عشان المصنعية وأنا لما تجي راجع حا أجهز ليك قروشك. وكان آخر شي يفكر فيه مشلهت أن يزور محلات قطع الغيار ولكن مشوار الكرونا مهم جداً وأهم منه أن يوصلها لعبد الله في المنطقة الصناعية بجوار صهريج الموية والأهم أن يسلمه 250 ألفاً من الجنيهات السودانية. صديقة جبر الدار رجل حساس جداً ولا يكلف الناس شيئاً ومنذ أن جاء واستقر عند مشلهت من العمرة قبل الأخيرة وهو يبحث عن عمل لم يشأ أن يكلف مشلهت بخلاف مصاريف الجرايد والسجاير إلا أن تلك الفرصة الذهبية لا يمكن أن تفوته وعليه فقد فاتح مشلهت في استحياء تام وهو يطلب منه أن يشتري له عدداً من الفساتين والكريمات للبنات في الحارة 21 بمدينة الثورة لأنه «خجلان» جداً من عدم إرساله أي شي للبنات وهن يعتقدن أنه قد اغترب واشتغل وأصبحت أمواله تستحق الزكاة مرتين إذ أن الحول قد حال عليه وهو في الاغتراب. فلا عذر له في عدم إرسال شنطة ملابس على أقل تقدير والغريب في الأمر أن كل الذين طلبوا من مشلهت أن يشتري لهم تلك الأشياء ويحملها إلى ذويهم في السودان لم يسأله أي منهم عن سبب ذهابه إلى البلد بل كان يهمهم الجزء الأول من الخبر وهو أن مشلهت سيسافر إلى السودان ... المهم في الموضوع أن مشلهت قد نفذ كل تلك الوصايا بحذافيرها فقبل أن يصل إلى بيته لرؤية والدته مر على عدد من الأماكن سلمها ما أمر به بنوها المغتربون وقد استغرق توصيل تلك الأمانات عدة أيام كان يخصمها من الوقت الذي كان عليه أن يقضيه مع والدته ولذلك كانت والدته تدعو له كل مرة يغادر فيها المنزل لتوصيل شي .. وداعة الله عند الرسول الله يستر عليك يا ولدي والله من ما جيت ماقعدت في الواطة وقتك كلو جاري الله يحفظك يا ولدي ... ولكنه عاد الآن ليستقبل مكالمات من نوع آخر فصديقه في الدمام كان يصيح في التلفون بغضب: طيب وكت أنت ما عايز تشتري الحاجات دي ماكنت تكلمني عشان أنا أتصرف ويرد مشلهت: - لكن أنا اشتريتهم ووصلتهم في نفس اليوم الوصلت فيه السودان ويصيح صاحبنا من الدمام وقد زاد غضبه: - اشتريت قماش كتبلاص أي كلام والنيدو كان صلاحيته قربت تنتهي والماجي أنا أقول ليك أبو بقرة تودي ليهم أبو ديك؟ ياخي أحرجتنا معاهم وخليتنا أصغر من السمسمة. أما صاحبنا بتاع إسبيرات الكرونا فقد جاءته الأخبار أن الإسبيرات يظهر عليها أنها من التشليح وتجاري كمان ومش أصلية وكان في داعي للإحراج؟ وآخر زعلان جداً لأن السكر الذي حمله مشلهت لم يصل في يوم سبوع زوجته التي وضعت بل وصل بعد تلك المناسبة السعيدة بيوم كامل أما صاحبه جبر الدار فقد كان يفور غضباً لأن مشلهت نسي الفنايل ولم يحملها معه ولهذا كان يقول لمشلهت: والله لو أنا عارف الحكاية دي صعبة عليك كدا ما كنت كلفتك وهسع أنا لو ما بخافك تزعل كنت رحلت شفت لي عزابة سكنت معاهم.. وانهالت هذه المحادثات الغاضبة على مشلهت وكلها تؤكد حقيقة أنه إنسان ماعنده فائدة ولكن الأمر الذي أثار الحيرة في نفس مشلهت هو أنه ولا أحد من تلك الأصوات الغاضبة ذكر ولو بالغلط كيف أنه سيسدد قيمة تلك الأشياء أو إذا ما كان في نيته أن يسددها وقد دفع قيمتها مشلهت من حر ماله؟ آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.