لا تنتطح عنزان في أن الاستثمار الزراعي هو المنفذ الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المتردي، وعلى هذا الأساس اقترحت شركة كراون للمقاولات والصناعة على وزارة الزراعة الاتحادية ووزارة الزراعة ولاية النيل الأبيض شراكة بين الثلاثة لزراعة الأرز «بسمتي» وهو من أجود أنواع الأرز وأغلاها في العالم..!! برأسمال قدره «6.5710.791» جنيهاً، في المساحة المتاحة «360» فداناً تمت زراعة «330» منها وفي أول تجربة من نوعها في السودان لزراعة هذا الصنف من الأرز تمت زراعة «280» فداناً بالشتول، أما الخمسون فداناً المتبقية فقد تم زرعها بالبذر المباشر، كان إنتاج الفدان بالشتول«1.750» كجم وكان الإنتاج الكلي «490» طناً، أما الزراعة بالبذر المباشر فكان إنتاج الفدان «700» كجم وكان الإنتاج الكلي للزراعة بالبذر«35» طناً جملة الإنتاج «525» طناً تكلفة الفدان«1200» جنيه..!! وتستعد شركة كراون لإضافة «700 1000» فدان للموسم القادم 2012-2013م، وفي خطة الشركة استهداف زراعة «20000» فدان برأسمال ثمانية ملايين دولار..!! ولم تقف الشركة عند هذا الحد بل دخلت أيضاً في شراكة مع الدولة بتصنيع الأرز وأنشأت مصنعاً بتكلفة «576221» دولاراً لتصنيع الأرز الأبيض والأرز المغلي والتكلفة الكلية تقدر «800.000 » دولار. لكن هذه التكلفة تم اختصارها لأن معظم أجزاء المصنع تم تصنيعها محلياً، كما أن شركة كراون ستقوم بالتشغيل الكامل للمصنع بواسطة فنييها وطاقة المصنع «40-50» طناً في اليوم بمتوسط «1300» طن في السنة..!! العبوات قامت الشركة بتعبئتها بطريقة علمية وجميلة للاستخدام النهائي..!! المعروفة أن باكستان هي أكبر منتج لهذا النوع من الأرز عالي الجودة وقد تحدثت مع الخبير الذي جاء خصيصاً وقال لي إن الإنتاجية في السودان مذهلة وهي أعلى من الإنتاجية في باكستان أكبر مصدر لهذا النوع عالي الجودة..!! هذا باختصار المجهود المقدر الذي قامت به شركة كراون مع شركائها الذين يمثلون الدولة، والمعروفة أن الزراعة هي المخرج الوحيد من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعيشها، وقد أهملت الدولة هذا القطاع، رغم أنها تنادي وتشجع الاستثمار الزراعي ولكن عندما تأتي لتستثمر في الزراعة تقوم ذات الدولة التي شجعت الاستثمار بوضع العراقيل في طريق المستثمر..!! تصدر القوانين المشجعة للاستثمار وحتى لغير الاستثمار برفع الضرائب والجمارك عن المدخلات الزراعية بما في ذلك التراكترات والحاصدات، وأي قانون صدر بهذا الخصوص ويجيزه المجلس الوطني أو البرلمان يصبح دستورياً وخرقه يعتبر خرقاً للدستور يُعاقب عليه مرتكبه بالسجن..!! لمواجهة الموسم الجديد الذي خططت فيه الشركة لزيادة الرقعة الرزاعية لأكثر من ثلاثة أضعاف المساحة قامت الشركة باستيراد ثلاثة تراكترات وثلاث حاصدات، والمعروف أن الضريبة الوحيدة التي يتم دفعها وهي تعادل2% إلا أن الشركة تلّقت مطالبة زائداً ال 2% تعادل 15% عبارة عن ضريبة القيمة المضافة والتي أصدرت قوانين الاستثمار وغيرها بإعفاء المدخلات الزراعية منها ومن ضرائب أخرى..!! والإعفاء لم يأتِ اعتباطاً إنما لخفض تكلفة الإنتاج حتى يصبح منافساً في الأسواق العالمية. فالدول عندما تدعم المنتجات الزراعية الغذائية إنما تضع في اعتبارها تكلفة الإنتاج حتى يصل المنتج الزراعي للمستهلك سواءً داخل الوطن أو خارجه بسعر معقول، فالأرز مادة غذائية وإستراتيجية، وفرض الضرائب على إنتاجها يجعلها غير منافس في الأسواق العالمية ويجعل من استيرادها بدلاً عن إنتاجها أمراً اقتصادياً، هذا ما حدث بالنسبة للقمح وغيره من المواد الغذائية الإستراتيجية. كيف يا ترى تفكِّر وزارة المالية، وبأي جزء من جسدها؟! أجزم أن العقل لم يستخدم في ذلك القرار الذي لم يصدر عن عقل ونظرة اقتصادية تؤدي إلى إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي. الزراعة هي المنقذ والمنفذ الذي تعتمد عليه أي دولة في نموها الاقتصادي، فلماذا تخرقه وزارة المالية وتفرض الضرائب الباهضة على مدخلاتها، والذي يفرض ضريبة مع مدخلات الزراعة لا تتعدى نظرته الاقتصادية أرنبة أنفه، كم ستدخل خزانة الدولة من عملات أجنبية حين يتم تصدير المنتج الزراعي بعد تصنيعه للاستخدام النهائي وهذا ما فعلته شركة كراون..! والاقتصادي لا ينظر تحت قدميه إنما تخترق نظراته عباب المستقبل، فيبدأ بالصغير ويتوسع ليبلغ هذا الصغير أشده وينمو ويغدو كبيراً، وحتى يحدث هذا تقوم الدولة بتقديم المغريات لهذا التوسع وذلك بالإعفاءات الضريبية التي تقدمها للمزارع. والدولة بهذا لا تدفع من جيبها ولا تخسر إنما تكسب أسواقاً لمنتجاتها، الأمر الذي يعود عليها بفوائد نقدية بأضعاف ما أعفت من ضرائب.. لماذا يهرب المستثمر من الاستثمار في السودان كفراره من الأجرب..؟ والإجابة تأتي وبلا عناء في التفكير بسبب تلك الضرائب التي تفرضها وزارة المالية والمخالفة للدستور.. وكثير من المشاريع الزراعية والصناعية فشلت بسبب هذه الضرائب التي تصدرها عقول اقتصادية لا ترى في الاقتصاد إلا الجبايات والضرائب التي تناقض الدستور وكل الأعراف الاقتصادية!! وميزانية الدولة تقاس بإنتاجها وليس بما تحصد من ضرائب تنتزع انتزاعاً من لحم المواطن الذي لم يبق منه سوى العظم، ماذا ستفعل وزارة المالية عندما يصل المواطن مرحلة العدم؟! السياسة الاقتصادية التي تقودها وزارة المالية وبمفهوم ماري انطوانيت التي نصحت بأكل الجاتوه بدلاً عن الخبز الذي انعدم.!! كما يبدو أنها تطبِّق السياسة الاقتصادية لذلك الرجل الذي وردت قصته في القرآن الكريم «إن أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها» والآن يا وزارة المالية المواطن المسكين الذي لم تعطه الفرصة حتى للتفكير في أن يكفلك نعجته الوحيدة، فقد انتزعتها بقوة وقسوة، فهل يا ترى ستنقذين الاقتصاد بهذا الأسلوب، أشك في ذلك فإن الذي تطبقه وزارة المالية إنما هو تخريب للاقتصاد الوطني وهي تحسب أنها تحسن صنعاً..!! ولا حول ولا قوة إلا بالله