بشّر وزير المالية المواطنين بأن هنالك إجراءات سيتم اتخاذها قريباً ستفاجئ المضاربين في العملة، وستعمل على تخفيض سعر الدولار في السوق الموازي، وقال إنه لا يوجد أي مبرِّر لارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي، وأن أسباب الارتفاع غير منطقية وتعود إلى المضاربات ونفسيات التجار، وأن «80%» من النقد الأجنبي بيد الحكومة. إن الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها هي أن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في السوق الموازي في أي بلد، وكذلك ارتفاع أو هبوط أسعار النفط، يرتبط دائماً بأحداث وتوقعات، أو تصريحات قد تصدر عن مسؤولين، أو قرارات ذات طابع سياسي أو خلافه، أو أزمة دولية، أو حتى شائعات، تخلق حالة نفسية وانطباعات قد تكون غير حقيقية تؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في أسعار العملة والنفط. وفي السودان، خلقت الحالة الناتجة من انفصال الجنوب وشح الدولار وضعاً استفاد منه التجار والمضاربون في رفع أسعار العملات الأجنبية بدرجة غير منطقية، وخلقت هذه الحالة نفسها إقبالاً على شراء الدولار وتخزينه على أمل أن ترتفع أسعاره في فترة لاحقة فيحقق من يقوم بتخزينه أرباحاً طائلة.. وهكذا دخل الدولار إلى نقطة الشائعات والمحاذير والتوقعات التي قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، وأصبح المواطن السوداني العادي الذي لا يتعامل أصلاً بالدولار هو الخاسر. لقد نشرت الصحف خبراً أن «2» مليار دولار سيتم ضخها في المصارف السودانية فهبط سعر الدولار بشكل مفاجئ من «5,2» جنيهات إلى «4,2» جنيهات؛ وذلك لأن بعض من اكتنزوا الدولار سارعوا ببيعه خوفاً من انخفاض سعره فأدى ذلك إلى توفر الدولار بكميات كبيرة للغاية في السوق الموازي، وكان بالإمكان استمرار انخفاض سعر الدولار في السوق الموازي لو لم يتم نفي المعلومة. واليوم فإن إعلان وزير المالية يمكن أن يؤدي إلى انخفاض سعر الدولار، وإذا تمت بالفعل تلك الإجراءات التي تحدّث عنها ونتمنى أن تصدق فإن الوضع في السوق الموازي سيؤدي إلى مسارعة العديدين بالتخلص من مخزونهم من الدولار فتقترب أسعاره من المنطق.. وعلى العموم إذا صح أن «80%» من الدولار بيد الحكومة على حسب تصريح وزير المالية ففي قناعتي أن هنالك تقصيرًا في التصدي لعمليات التلاعب بالدولار وتحويله إلى (سلعة) بيد نفر قليل من (تجار وأثرياء الأزمات) يتلاعبون بمصير وقوت الشعب.. وفي قناعتي أن هذا النمط (من التحرير المتطرِّف) فيه خطورة بالغة على الاقتصاد الوطني.