في قرية في وسط شمال السودان هي قرية الغدار بريفي دنقلا العجوز بمحلية القولد ولد الزبير محمد صالح في العام 1944م وقد سُمي بهذا الاسم تيمنًا بجده لأمه عبد الله بن الزبير الأنصاري والذي كان يلقب «بكبدالحلة» حيث شب وتمرغ الفتى بتراب الغدار والتحق بمدرسة القولد الأولية في العام 1952م ثم انتقل إلى مدرسة وادي سيدنا الثانوية في يوليو 1962م حيث برزت في هذه المدرسة جوانب أخرى من شخصيته وهواياته وكانت السباحة من أحب الهوايات لنفسه ثم التحق بالكلية الحربية في 1964وبعد التخرج عمل بالقيادة الشمالية«شندي» ثم التحق بالقيادة الشرقية«القضارف» ثم عمل بسلاح النقل وسلاح الصيانة ومنطقة أعالي النيل العسكرية وتقلد منصب قائد المركز الموحد بجبل أولياء كما حصل على دورات أخرى منها «فرقه إصلاح مركبات من دولة روسيا ودورة قادة كتائب ومركبات من مصر» إلا أن نجمه سطع وبرز اثر اندلاع ثورة الإنقاذ الوطني عقب الانقلاب الذي أطاح الديمقراطية الثالثة في الثلاثين من يونيو في العام 1989م، حيث برر البيان الأول للانقلاب سبب التحرك بسوء الأحوال الاقتصادية والامنية وتقدم قوات المتمرد جون قرنق نحو العاصمة ومناطق النيل الأبيض .. وبالرغم من أن الزبير كان معتقلاً ليلة الثلاثين من يونيو 89 إلا انه وفق في تحريك قوات من جبل أولياء لإسناد القوة التي نفذت التغيير بالعزم وسبق الإصرار، وتولى في سنوات حكم الإنقاذ الكثير من المناصب فقد كان نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة ووزيرًا للداخلية وتولى الإشراف المباشر على تنفيذ المشاريع الرئيسية ثم تقلد منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية غير انه استشهد اثر سقوط طائرة الناصر في نهر السوباط في نهار يوم الخميس الثاني عشر من شهر فبراير للعام 1998م، هكذا تقول السيرة الذاتية المختصرة عن الشهيد الزبير محمد صالح والذي أقامت له حكومة الولاية الشمالية في الأيام الماضية مهرجانًا أحيت من خلاله الذكرى رقم «14» لرحيله، حيث اشتمل الاحتفال الذي أقيم بدنقلا العجوزعلى زيارة لأسر الشهداء وتقديم بعض المعينات النقدية والعينية لهم والذي نظمته منظمة الشهيد كما أقامت المنظمة معرضًا خاصًا بسيرة الشهداء بالولاية الشمالية بموقع الاحتفال. وإذ الحكومة تحيي ذكرى هذا الرجل الذي اتسم بطول القامة والشجاعة وقوة الارادة وكان له القدح المعلى في تثبيت أركان النظام في أيامه الأولى يقرأ عدد كبير من المراقبين وضع النظام الحالي مقارنة مع أيامه الأولى بشيء من المفارقات، فالنظام الذي فقد أهم احد أركانه في العام 1998م لم يمر عليه عام واحد بعد هذا الحادث الأليم حتى جاءت المفاصلة الشهيرة بين عراب النظام حسن الترابي والقائد العسكري للانقلاب الرئيس عمر البشير وهي المفاصلة التي شقت الحزب الحاكم إلى نصفين وبغض النظر عن أنهما متساويان أم لا، فقد كون جناح المنشية حزب المؤتمر الشعبي عقب المفاصلة الشهيرة عام 1999م عام التسعات الطويلة كما كان يسميها فقيد الصحافة السودانية محمد طه محمد احمد، الأمر الذي ادخل البلاد في دوامة من الخلافات بين تيارات الحركة الاسلامية التي كان يخطط أعضاؤها للوصول للسلطة منذ زمن بعيد لتحقق طموحات الاغلبية المسلمة في السودان غير أن المراقبين يرون أن عسل السلطة لم يمنح الإسلاميين بذرة الوصول لهذا الهدف فكيف يقرأ المسؤولون بحكومة الولاية الشمالية واقع الحياة السياسية بالسودان في ذكرى رحيل الشهيد الزبير محمد صالح. يرى والي الشمالية فتحي خليل أن قيادات المؤتمر الوطني التزمت بعدد من المبادئ في الحملات الانتخابية الفائتة ويستفسر والي الشمالية عن هذا الواقع عندما يقول «فهل نحن قادرون على التمسك بهذه المبادئ ؟ مبادئ الصدق والشفافية والامانة» ويضيف «إن أهم طرق الوفاء للشهيد الزبير يتمثل في حل قضايا الناس» ويردف: «نحن أولى بأن نهتم بخدمات الناس من طرق وكهرباء وتوفير معينات الصحة» وعن إصلاح حال الخدمة المدنية يضيف والي الشمالية «إننا بدأنا خطة للإصلاح الإداري والذي لا يستطيع أن يؤدي وظيفته على الوجه الأكمل فليترجل من موقعه ويوجد الكثيرون القادرون على تحمل المسؤولية» كما ذم والي الشمالية عملية تكوين اللجان لتنفيذ البرامج ووصفها بأن عهدها قد انتهى وأردف: «المثل يقول إذا تريد أن تميت موضوع كون له لجنة» ووجه والي الشمالية أجهزته بوضع الخطط والبرامج الزمنية لتنفيذها، بينما يرى معتمد القولد سيد عوض السيد أن الشهيد دائمًا ما كان يردد عبارة تدل على انه سيبذل حياته في سبيل رفعة السودان عندما كان يقول «الموت حنسعى ليهو ونفتشوا تفتيش مكان مايعز البلد»، بينما نفى نائب رئيس المؤتمر الوطني بالولاية جعفر عبد المجيد ما ظل يردده البعض «أن الإنقاذ راح ليها الدرب» وأردف: «نؤكد للجميع أننا في المؤتمر الوطني على طريق الشهداء سائرون وعلى العهد بأن نحقق السلام ونحافظ عليه ونمد أيدينا بيضاء للأحزاب السياسية لنتفق على كلمة سواء بيننا ولا نقول للناس إلا الخير» وفي اشارة لكثرة الخلافات داخل حزب المؤتمر الوطني وجه نائب رئيس الحزب بالولاية رسالة إلى أعضاء الحزب عندما قال: «ونحن ندعو إلى كلمة التوحيد لابد من توحيد الكلمة» وشدد عبد المجيد على التزام الحزب بتقديم الخدمات للمواطن الذي جاء بقيادات الحزب للمواقع عن طريق صندوق الانتخابات. غير ان العلامة الأبرز في الاحتفال تمثلت في غياب تام لممثل من المركز الأمر الذي فتح باب التكهنات على مصراعيه ولقد كان الشهيد رجلاً قوميًا وهكذا كان وهكذا رحل.!