الذي رأى السيد عبد الرحيم محمد حسين في «جمعون» الدفاع الشعبي لرفع التمام للقيادة، ورأى ابتسامته الواسعة التي لم تفارق وجهه للحظة، يكاد ينسى أنه هو ذاته الشخص الذي صدر بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.. إنّ مذكرة التوقيف هي ما نسميه في اصطلاحنا السوداني «أمر قبض»، إنه مصطلح يوحي بشخص مذنب مطارد «يخفي نفسه للحيلولة دون إلقاء القبض عليه» ولكن وزير الدفاع لم يكن كذلك، بل كانت قناة الجزيرة تنقل ابتسامته الواسعة على الهواء مباشرة وهو يقف يسار الرئيس البشير أثناء مخاطبته لحشد الدفاع الشعبي. نعم.. لقد كانت تلك الابتسامة في ذلك الحشد للدفاع الشعبي الذي تعتبره قوى الطغيان العالمي مجرد مليشيات إرهابية تابعة للحكومة، كانت تلك الابتسامة في ذلك الجمع هي الرد البليغ على مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، التي تركت مآسي العالم الناضحة بالظلم والدماء وتفرغت لتعقيد أزمة دارفور.. وبعد رئيسها السابق المستر أوكامبو، الذي اُتهم بالتحرش الجنسي وغادر منصبه موصومًا منبوذًا، ها هي المحكمة تواصل تحت قيادة جديدة الاضطلاع بدورها الذي تحدده لها القوى المتحكمة في هذه المؤسسات الدولية، بحكم ما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا! لقد قفزت المحكمة لاتهام وزير الدفاع، وكانت من قبل اتهمت من اعتبرتهم قادة ميدانيين لِما قالت إنها مليشيات عربية، وفي هذا الإطار اتهمت كوشيب وموسى هلال. ولكن اتهام وزير الدفاع يعني ضِمنًا إدانة للقوات المسلحة، إنهم يريدون الفتّ في عضدها، وزعزعت ثقة القوات بقيادتها ولكن، إنّ تلك القوى لا تفهم نفسية الإنسان السوداني، إنّها لا تظن أن الإنسان السوداني والجندي السوداني يفهم حقيقتها، لا تظن أنه يرى وجهها القبيح الذي تحاول إخفاءه بمساحيق إدعاءات العدالة وخُطب قادتها الفارغة، نعم إنّ فهم الإنسان السوداني العادي لطبيعة تلك الأجسام الدولية بفطرته السليمة، وعين بصيرته التي ترى حقائق الأشياء عبر استقراء المواقف وتحليلها، هذا السوداني الباصر يعلم أن صدور مثل هذه المذكرات في حق قياداته إنما هي أوسمة الإنجاز من الدرجة الأولى تعلقها تلك الهياكل الدولية على صدور من تستهدفهم، أوسمة لا تراها هي بأعينها العمياء، ولكن تراها الشعوب المستهدفة فتزداد إيمانًا بقيادتها، وتلتحم تماسكًا تحت إمرتها. إن القوات المسلحة التي شهدت في عهد الوزير حسين طفرة هائلة في شتى المجالات من بنى تحتية، وتأهيل لإنسانها وتحفيز لمنسوبيها، واهتمام بأفرادها، تعلم أن هذه هي البداية فقط في مسيرة بناء الجيش السوداني على أسس جديدة، وبمعطيات مبشِّرة وواعدة، ليس بالسراب، بل بحقائق شامخة دلّت عليها المقدمات وإنجازات السنوات القليلة الماضية. إنّ القوات الدولية ليست غافلة عن الطفرة النوعية التي حدثت في القوات المسلحة من حيث الأسلحة والمعدات والبنى التحتية، إنّ أخبار ذلك تصلها من عملائها الذين يقاتلون ضد القوات المسلحة، ويصطدمون بها في الميدان ويعودون مندحرين خائفين إلى محرضيهم ومالكي أمرهم، ولذا فإن هذه القوى يؤلمها ويربكها أن ترى القوات المسلحة قادرة على تطوير قدراتها، وتأهيل جسمها بما يحافظ على قوته وقدرته على المناورة، بالرغم من الحصار والاستهداف وتضييق المنافذ التي يمكن أن تصل عبرها وسائل تطوير قواتنا المسلحة وتأهيلها، إنّ ما يصيبهم بالجنون أنهم ظنوا أنهم وقطعوا عنّا كل مصدر للإمداد حين أغلقوا كل باب في أمريكا وأوربا في وجه مطلوباتنا، ولكنهم ما قرأوا قوله تعالى: «لئلا يعلم أهل الكتاب ألاّ يقدرون على شيء من فضل الله، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم» إنّ الفضل بيد الله، ولله ترتيبات مع عباده لا شأن لها بحسابات أهل الدنيا وترتيباتهم؛ ولأن من القواعد الراسخة فيما بين العباد وربهم أنه من يصدق الله يصدُقه، فإن الصدق في امتثال قوله تعالى: «وأعدوا» يقابله مباشرة الصدق في التيسير والعطاء بقدر ما يصدق العبد ربه، ولعل الوزير أحسن الاتكال على ربه، وجدّ فيما ائتمنه عليه شعب هذه البلاد الطيبة، ففتح الله عليه أبوابًا لم تكن في حسبان أمريكا وتوابعها.