هكذا كان متوقعًا أن تمتد العصا الأمريكية لتطول أي تحرك أو جهد يصب في خدمة مصالح السودان عقب الانفصال على خلاف ما التزمت، وذلك يتماشى مع ما أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون باتهامها للرئيس البشير بأنه يسعى لتقويض الحكم فى الجنوب، وبالتالي ظلت الضغوط الأمريكية تتوالى على السودان عبر أكثر من سلوك وآلية!. تغيرت الحكومات في أمريكا وتغيرت الأحزاب الحاكمة ولم يتغير الوضع لدى الأمريكان، لأن لديهم أجندة محددة رددتها مندوبتهم الدائمة لدى الأممالمتحدة، سوزان رايس في آخر زيارة لها لجوبا بأن كل مبادرات واتفاقيات السلام التي شاركوا فيها كان الهدف منها تغيير نظام الحكم في السودان!. هذا هو الموقف الأمريكي ظل ثابتًا دون تغيير الا بقدر ما يحقق مصالحهم ويُلحق الضرر بالخرطوم !. استماتت أمريكا فى هدفها لتغيير النظام في السودان!، ففي المرة الأولى قال الرئيس الأمريكي إذا وقّعتم اتفاقية السلام سنلغي الديون ونزيل اسم السودان عن قائمة الإرهاب ونطبّع العلاقات الدبلوماسية ونلغي المقاطعة الاقتصادية، وبمجرد ما تم ذلك في عام 2005 بنيروبى، قالوا سنفعل ذلك حينما يكون هناك سلام في دارفور رغم أن هذا الوعد كان عام 2004 ومشكلة دارفور بدأت في 2003 وكانت الأوضاع فيها مشتعلة وفى طريقها الى التعقيد بأمرها!. وما إن أوشك السودان على ابرام السلام هناك من أبوجا الا وجاء وزير الخارجية الأمريكى باول بذات القائمة وظل الوعد الأمريكى مرحلاً!. ومن بعدها قالت الإدارة الأمريكية ومن خلال خطاب من الرئيس الأمريكي لرئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس، جون كيري، إنه إذا حصل استفتاء وقبلت الحكومة السودانية بالنتيجة فسنرفع العقوبات ونطبع العلاقات ونلغي الديون ونزيل المقاطعة وهو ما لم يحدث!. وانتقلت القضية الآن إلى جنوب كردفان... ثم النيل الأزرق، ومن دشن الحرب هناك هي قوات الحركة الشعبية، فأمريكا ترفع العقوبات عن جنوب السودان ويجري تجديدها على السودان، فمن بدأ الحرب ترفع عنه العقوبات والضحية تستمر عقوباتهم عليه، ويتوجب بالمقابل أن لا ندافع عن أنفسنا ولا نواجه حربهم المفروضة علينا، وهدف الولاياتالمتحدة كما هو معلن تغيير النظام، وما الجنائية وحملات أوكامبو، وأوامر التوقيف التى صدرت بحق رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ومن قبلهما هارون وكوشيب، أمريكا هي من تحركها وتقف وراءها!. ولعل الجميع تابعوا اعلان الحكومة السودانية أمس «الأحد» رسمياً تأجيل مؤتمر السودان الاقتصادي المزمع عقده بإسطنبول في تركيا يومى 23 24 مارس، إلى أجل غير مسمى، في أعقاب الضغوط التي مارستها الولاياتالمتحدةالأمريكية على السودان والدول المشاركة في المؤتمر، برغم تأكيد الحكومة سعيها مع دول الترويكا «النرويج، بريطانيا، تركيا» إلى إقامته بعيداً عن الأجندة الأمريكية!. وقد ذكرت وزيرة التعاون الدولي إشراقة سيد محمود، إن أمريكا ربطت بين قيام المؤتمر وبعض القضايا السياسية المطلوبة أو لنقل «الشروط الأمريكية» من السودان في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومع حكومة الجنوب، واعتبرتها مبررات غير واقعية في ظل بذل الحكومة لمجهودات مقدرة لاحتواء الأوضاع الإنسانية في الولايتين!. القيادة السودانية تدرك أن أمريكا لا تعترف بحق السودان في حماية أراضيه فى ظل بنوتها للحركة الشعبية وكافة قبائل التمرد التى تؤويها، والموقف الأمريكي بارع فى الهروب من التزاماته السابقة تجاه السودان والتنصل منها !. وما يهم أن السودان لم يفاجأ بموقف واشنطون، منذ مطالبة أمريكا بسحب اسمها من ديباجة الدعوة المقدمة إلى الدول المشاركة في المؤتمر وإضافة أجندة تتعلق بالولايتين والعلاقة بدولة جنوب السودان، ورسائلها إلى العديد من الدول وحثها على عدم المشاركة حال إصرار السودان على موقفه من المطالب الأمريكية! .بالأمس أقيم مؤتمر أوسلو عقب اتفاق السلام الشامل وشهدنا كيف تضاءلت نتائجه على واقع البلاد، وعدم وفاء أمريكا ومعظم البلدان الأوربية بالتزاماتهم، واليوم تجد الإدارة الأمريكية ضالتها فى الاجهاز على مفاصل مؤتمر إسطنبول، ولينحسم الجدل المتصاعد حول انعقاده، وبرغم التحضير الجيد الذى تم والدعوات التى وجهت للدول المشاركة وحماس النرويج وبريطانيا وتركيا تمكنت أمريكا من افشاله، ومن قبل سبق أن تم تأجيله أكثر من مرة!. وفكرة المؤتمر تهدف إلى تعريف المجتمع الدولى والدول المانحة على قضايا السودان الاقتصادية الملحة بعد الانفصال، والفجوة التى خلفها النفط على الموازنة، وحض الدول التى دعمت السلام بالوقوف الى جانب الدولتين للابقاء على حالة السلم والجوار المتعاون، استجابة لمبادرة من دول الترويكا «النرويج، الولاياتالمتحدة، وبريطانيا»، وها هي أمريكا تلعب دوراً مغايرًا لا يقف عند انسحابها من الرعاية وعدم رغبتها فى المشاركة، و بدأت تتعلل بالحديث حول الحرب التي تدور رحاها في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتفرض الشروط والوصفات كعادتها، وما يزال البعض يعلق على جني فائدة فى الحوار مع واشنطون، كيف وعلى ماذا يؤسس، وما هى نتائجه والشواهد أكثر من أن تحصى، أمريكا ظلت تخذّل وتقوض كل بارقة أمل يمكن أن تصب فى صالح الشمال السوداني !!.. لكن الأيام تمضى والمواقف التى أمامنا تكشف حقيقة وجوهر النوايا الأمريكية ازاء السودان دون حياء أو مجاملة، فالولاياتالمتحدة تطرب للتطورات السالبة في علاقة البلدين بل وتحركها باتجاه التصعيد والتأزم لأن شعب الجنوب لا مصلحة له فى اشعال حرب باتجاهنا وهو يعرف قدرات ومقومات دولته !. والسودان بات مادة للمزايدة بين اللوبيات الأمريكية والمراكز الصهيونية المتصارعة هناك، وقد شهدنا دخول عضو من الكونغرس الأمريكي الى جنوب كردفان خلسة عن طريق البر بمساعدة الشعبية ومجموعات التمرد التى تساكنه!. فأمريكا انتهكت حرمة أرضنا وسيادتنا بالصواريخ لقصف مصنع الشفاء فى 1998م، ومرة ثانية وثالثة من على البحر الأحمر ولا يضير منسوبيها أن يتسللوا الى داخل أراضينا، ودولة الجنوب الوليدة لا تعرف احترام سيادة الدول ولا حماية الجوار ولا ينبغى أن يُفترض في سلوكها النزاهة وهي ضالعة فى حرب مفتوحة معنا!. و قضية السودان أصبحت «كرتاً» في الانتخابات الأمريكية كل أربعة أعوام يتخذها المرشحون وسيلة لجذب الأنظار إليهم، وما فعله عضو الكونجرس الأمريكي لمسوغ داخلي للظفر بمقاعد النيابة وحشد الدعم لصالحه ببطولات زائفة !. وحيال هذه التطورات واستمرار سياسة الابتزاز والهيمنة علينا ألا ننخدع أو نتوقع أن تشهد علاقات السودان بالولاياتالمتحدة فيما تبقى من العام الحالي أوالقادم أي تقدم يذكر سوى المزيد من الضغوط الأمريكية والمؤامرات بل المفاجآت الكبيرة على السودان !. وعلى نحو ما تفعل أمريكا باتجاهنا بالتسفيه واعمال كل صنوف المضايقة والاعتداء والحرب النفسية وافشال برامجنا ومشروعاتنا وموالاة دعم أعدائنا، على الحكومة السودانية أن تعمل مبدأ المعاملة بالمثل فى تعاطيها مع واشنطون ان كانت دولتنا تحترم نفسها وتعى ما يصيب الرأى العام الداخلى من آلام وجراح جراء هذا التهافت من قبل بعض مسؤولينا تجاه واشنطون والآمال السراب التى يعلقونها على هكذا حوار !. وكم سعدت بتصريحات وزير الخارجية كرتى كرئيس لدبلوماسيتنا أنه على إلمام وإدراك بالخبث الأمريكى وعدم نزاهتهم كشريك غير مأمون ولا جاد !. لقد سعت واشنطون بمحاولات محمومة لتوظيف مخرجات مؤتمر لخدمة أجندة الولاياتالمتحدة ومصالحها، وعندما طاش سهمها ها هى تفشله، والحمد لله الذى بلغنا هذه النتيجة كى نتوقف عند هذه المحطة، ونستعيد تماسكنا بتوفيق أوضاعنا واستدعاء قدراتنا وجهود الأصدقاء والاخوان فى محيطنا العربى والافريقى والآسيوى، ولتهنأ أمريكا بمواقفها المخزية والمتحاملة باتجاهنا، يكفينا ما بلغنا من حروب وأوجاع من قبلها، ألا يكفي!!!..