المزاح أو (الهظار) هو نوع من الدعابة، البعض يتقبله بصدر رحب وابتسامة عريضة والبعض يرفضه باعتباره لا يليق بمكانته أو سنه أو مركزه الاجتماعي هذا ما بين العامة، وهنالك مزاح يكون بين الأزواج ويعتبره بعضهم دليل رضى وسعادة بينما يجزم البعض أن كثرته تؤدي للمشكلات، وحتى ديننا الحنيف وضع رأيًا صريحًا في موضوع المزاح.. «البيت الكبير» قامت باستطلاع وسط فئات مختلفة كما استعنا بأهل علم النفس الاجتماعي وأهل الدين ليدلوا بدلوهم كلٌ حسب تخصُّصه.. افتتح لنا شرفة الحديث طه عبد المنعم الذي أفادنا قائلاً: الهذار عمومًا لا بأس فيه إذا لم يتجاوز حدود الأدب واللياقة لأنه في بعض الأحيان يكون هنالك مزاح ثقيل يسوق الى سوء الفهم ويؤدي لحدوث مشكلات بين الناس، أما في مابين الأزواج فهو دليل محبة بينهم لكن بحساب وبقدر. ع. م تعمل باحثة اجتماعية بإحدي دُور رعاية الأحداث حكت لنا رواية حقيقية حيث قالت: وفد إلى هذه الدار صبي لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عامًا بتهمة قتل صديقه عن طريق الخطأ بينما كانا يتمازحان فقام صديقه المجني عليه بضربه ضربة آلمته فما كان منه إلا أن تناول حجرًا كبيرًا صوبّه ناحية صديقه بكل غضب ليلقى الأخير حتفه نتيجة للمزاح الثقيل. هشام الصادق «موظف» حكى لنا موقفًا كان هو حضورًا عندما حدث حيث قال: كنت مغتربًا بإحدى دول الخليج وكعادتنا نحن السودانيين كنا نجتمع كل نهاية أسبوع في منزل إحدى الأسر السودانية، وفي مرة كنا مجتمعين في منزل صديق عزيز فظهرت ممثلة شهيرة فقال موجهًا الكلام لزوجته بعد أن همز لنا بأنه يود «مكاواتها» لأنها لا تطيق هذه الممثلة تحديدًا من كثرة إعجابه هو بها فقال لزوجته :«الناس السمحين ظهروا» فما كان من زوجته إلا أن ثارت وصرخت في وجهه ولم يطق هو صراخها فيه أمام الجمع فأساء لها إساءة بالغة وردت هي مطالبة بالطلا ! ولم تفلح كل مساعينا في توفيق الأوضاع بينهما وكل هذا حدث من باب المزاح الثقيل. ستنا «ربة منزل» قالت: أنا عن نفسي لا أحب المزاح ولا بين العامة ولا بين الأزواج لأنه يؤدي لعواقب وخيمة تتنج عن سوء الفهم، وقد كنت شاهدة في عدد من المرات على مشكلات حدثت بسبب الهظار. وكان لا بد لنا من الوقوف على الأمر من زاوية اجتماعية حيث جمعنا اتصال هاتفي مع الباحث في علم النفس الاجتماعي الأستاذ أحمد زين العابدين الذي قال في إفادته: المزاح يعكس أحاسيس إنسانية متبادلة بين الأفراد لكنه قد يتحول إلى ممارسة سالبة تتسبب في خلافات شخصية ومشكلات عائلية وربما تطوّر الأمر لجرائم جنائية، ويعد المزاح تنيفسًا انفعاليًا عن ضغوط الحياة المختلفة بوصفه علاجًا نفسيًا ومقويًا للروابط الاجتماعية ويساعد في كسر حواجز التعامل بين الأفراد، لكن يجب انتقاء الأنماط الشخصية المستهدفة بالمزاح ومراعاة الحالة النفسية للمتلقي وكذلك الزمان والمكان المناسبين، لأنه قد يتحول من تنفيس انفعالي إيجابي إلى صدمة نفسية وردة فعل سلبية، ويمكن أن يتطور إلى نقاش وجدال حاد جدًا في ردة فعل تجاه المزاح، لذا لا بأس من القليل منه ولكن مع مراعاة الأشياء سالفة الذكر. وللنظر للموضوع بعين الدين كانت لنا وقفة مع الدكتور شرف الدين الإمام «دكتواره في علوم الدين» حيث أفادنا قائلاً: المزاح هو مفتاح الشر كما هو معلوم لأنه يؤدي لمفاسد كثيرة ولكن الإنسان لايستغني عن شيء منه لذا وضع له العلماء ضوابط محددة فلذلك قال العلماء «لا بأس من المزاح إذا راعى فيه المازح الحق وتحرّى الصدق فيما يقوله في مزاحه وتحاشى فحش القول» كما ورد في الموسوعة الفقهية ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمزح ودونكم الحديث الشهير حيث جاءته امرأة عجوز وقالت له: يارسول الله أدع الله أن يدخلني الجنة فقال لها: يا أم فلان أن الجنة لا يدخلها عجوز فانزعجت المرأة وبكت ظنًا منها أنها لن تدخل الجنة فلما رأى ذلك منها بيّن لها غرضه أن العجوز لن تدخل الجنة وهي عجوز بل ينشئها الله خلقًًا آخر فتدخلها شابة بكرًا» رواه الترمذي وأيضًا في حديت آخر عن أبي هريرة رضي الله قال «قال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم يارسول الله إنك تداعبنا ! قال: نعم غير أني لا أقول إلا حقًا»، فالمزاح يخرج من الإباحة إلى التحريم إذا اشتمل على سخرية واستهزاء فقد قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان» صدق الله العظيم، كما لا يجوز الكذب من أجل إضحاك الناس فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ويلٌ للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويلٌ له. ويلٌ له» وهنالك مسائل لا يجوز فيها المزاح بين الأزواج خاصة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة فقد قال صلى الله عليه وسلم «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الزواج والطلاق والرجعة».