الوحدة بين حزبي المؤتمر الوطني والشعبي وعودة المياه إلى ما كانت عليه قبل المفاصلة في عام 1999م، ظلت تمثل أشواق العديد من الإسلاميين، كما ظلت بالمقابل مثار مزايدة بين الطرفين عندما يحتدم الخلاف بينهما، وربما كانت المبادرة التي أطلقها الوطني بولاية الخرطوم أمس الأول التي نادت بالوحدة بين الفريقين هي الأولى من نوعها من جانب الحزب الحاكم، لذلك كانت مثار العديد من الاهتمام من قبل المراقبين والقواعد في الحزبين.. «الإنتباهة» استطلعت عدداً من السياسيين شملوا حزبي الوطني والشعبي، وعدداً من الخبراء السياسيين.. عبر هذا الاستطلاع. لابد من التأكيد د. محيي الدين الجميعابي قيادي بالمؤتمر الشعبي: هل هي حقيقة؟ وهل عباس الخضر مفوض تفويضًا حقيقيًا؟ نريد أن نسمع حديثًا حقيقيًا من قيادة المؤتمر الوطني على مستوى ولاية الخرطوم متمثلة في الوالي عبد الرحمن الخضر ونوابه في الحزب كما نريد أن نسمع أن هذا الأمر يتوافق مع الخط السياسي العام، بالتالي نريد مباركة صريحة جداً على مستوى الحزب من الرئيس عمر البشير ومن نائبه الحاج آدم وعلي عثمان ود. نافع وإذا لم نسمع هذه التأكيدات نعتبره بالون اختبار ليس بالحقيقي. تتويج لمبادرات سابقة د. علي عيسى نائب مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية: المبادرة نفسها عبارة عن تتويج لمبادرات سبقتها وأتت هذه المبادرة في هذا الوقت المفصلي في تاريخ السودان حرصاً من الوطني على توحيد الجبهة الداخلية وأول خطوة للتوحيد هي توحيد الصف الإسلامي.. وهنالك الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تفرض على المؤتمر الوطني أن يتحرك بسرعة لتدارك الموقف المحدق بالسودان. المبادرة الآن تحركت من القيادات الوسيطة في المؤتمر الوطني على الرغم من مباركة المكتب القيادي في الوطني لها وتحتاج لدفعة من القيادات العليا حتى تجمع ثمارها في أقرب وقت ممكن.. وتشوق القواعد من الحزبين يجعل من هذه المبادرة ناجحة.. فالتوقيت سليم لهذه المبادرة ويحتاج الوطني للشعبي في كثير من القضايا الداخلية كالقضايا الخاصة بالتمرد في دارفور والعلاقة مع القوى السياسية المعارضة في الشمال وللشعبي ثقل وتأثير باعتباره هو العقل المدبر والمفكر للقوى الحزبية المعارضة.. هذا الوضع يجعل الشعبي يتحرك إما أن يجعل هذه القوى الحزبية محايدة أو تدخل ضمن التحالف مع الوطني كبجهة أو متحالفة لمواجهة التحديات التي تواجه الوطن.. ورغم أن معظم القوى السياسية كانت ترى في أمر المشاققة بين الحزبين تمثيلية أقول إذا كان الأمر كذلك فإن الحزبين صدقا هذا القول واقتنعا به وهذه المسألة ألقت بظلال سالبة على مستوى الممارسة السياسية الحزبية وداخل مؤسسات الدولة، وأقول إذا ما قُدر للوحدة أن تتم فليس من حق المعارضة أن تقول إن المفاصلة تمثيلية لأنها اقتنعت بها وهذا الأمر يسقط أنها تمثيلية. وأرى أن رجوع الشعبي للوطني فيه قدر كبير من المعقولية لأن البلاد تعاني وربما أدت هذه الخطوة إلى الاستقرار. مبادرة لا قيمة لها أبو بكر عبد الرازق قيادي بالشعبي: المبادرة لا قيمة لها ولأصحابها ولا الحزب طرحها لأن هؤلاء جميعاً لا وزن لهم إلا لمن يلي رئاسة الدولة والحزب، فالقيمة الوحيدة لدى هؤلاء هي لرئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني الذي يمثل الحل والعقد لديهم ولكن لا قيمة لأية مبادرة لا يتبناها الرئيس شخصياً والقيادات المتنفذة لأنها لا رغبة لها من قريب أو بعيد في مثل هذا التقارب أصلاً نسبة لتعهداتهم الدولية التي تقوم على الابتعاد عن المؤتمر الشعبي ود. الترابي شخصياً كما أن هؤلاء لا يؤمنون أصلاً بالشورى والحرية والعدالة والمساواة التي قام عليها البرنامج التأسيسي للحركة الإسلامية منذ 4491م حتى الآن لذلك نحن زاهدون في أي تقارب مع المؤتمر الوطني بل خيارنا الوحيد أن نعمل على تغيير النظام إما سلمياً عبر حكومة انتقالية أو ثورة شعبية. مكسب للوطن والدين ويقول محمد بريمة القيادي بالوطني: نحن من أنصار المصالحة إذا أصبحت حقيقية باعتبارها مكسبًا للوطن والدين لكن إذا أصبحت مبادرة تكتيكية ستكون مبادرة لضياع الوقت ليس إلا ونتمنى أن تكون هذه المبادرة جادة وتتناول القضايا والثوابت الأساسية بالنسبة للمؤتمر مع قناعتنا بوجود كثير من القواسم المشتركة، في اعتقادي أن المؤتمر الشعبي لا يوافق لعدم قناعة القيادة العليا للمبادرة والمصالحة رغم وجود تيار بين القيادات الوسيطة والقاعدية وكثير من الأشواق بجمع الصف الوطني، لكن بمرور الزمن يمكن أن تحدث معجزة تقنع القيادة أن تنصاع لصوت الرأي العام. لا نعتبرهم حركة إسلامية أما وصال المهدي فردت قائلة: إن المؤتمر الوطني صرح أنه سوف يحاور أي قوة من القوى السياسية إلا المؤتمر الشعبي، ونحن ما زلنا نتمسك بهذا الموقف ونحن لا نعتبرهم في الأصل أنهم حركة إسلامية فالمسلم لا يأكل أموال المسلمين وأنا لم أسمع بهذه المبادرة ولكني أستبعد هذا الحديث ابتعاداً شديداً. حريصون على وحدة الصف الإسلامي وقال الأستاذ محمد الحسن الأمين القيادي بالمؤتمر الوطني أنا أرحب بأي توحيد باعتبار أن هذه المبادرة ايجابية ولا يوجد شيء مستحيل ونجد أنه قبل ذلك تم التوقيع مع جون قرنق فنحن حريصون على وحدة الصف الإسلامي. خطوة عاقلة.. تأخرت! وأضاف المحلل السياسي عبده موسى مختار هذه خطوة عاقلة لكنها تأخرت كثيراً لأن هذا الانشقاق ما كان له أن يحدث إذا ساد صوت العقل بالحزب الكبير لأن الانشقاق أحبط شباب الحركة الإسلامية وشوه نموذج التيار الاسلامي الذي أصبح محط أنظار العالم في تقييم تجربة الحركة الإسلامية في الحكم، لذلك كان لهذا الانشقاق أثره على التيار الإسلامي بصورة عامة بحيث أصبح كثير من الناقدين للتجربة الإسلامية يشيرون للحركة الإسلامية السودانية بأنها تجربة فاشلة، لذلك فإن هذا الانقسام كان خصماً على الحركة الإسلامية بالداخل وبالخارج فإن هذا الانشقاق الذي حصل بدون مبررات منطقية بمعيار المبادئ والفكر بل إنه انشقاق بسبب اختلاف الآراء والمصالح «الصراع حول السلطة» وأحسب أن هذا الاتجاه والتوجه يجب أن يكون هدفاً إستراتيجياً يسعى له الحزب الحاكم لإنجازه بأسرع ما يكون لتوحيد الحركة الإسلامية ويا حبذا لو عادت الحركة الإسلامية إلى اسمها وتخلت عن المؤتمر الوطني الذي أصبح يجمع الانتهازيين. الساعوري: وحدة بلا أسس لا تعني شيئاً أما المحلل السياسي بروفيسور الساعوري فقال: إن الوحدة مطلوبة تحت كل الظروف ولا يوجد من يرفضها ولكن يجب أن تكون على أسس وليست على شيء آخر.. فالشعبي عندما خرج عن الوطني كان خروجه نتاجًا لقضايا اجتهادية وهى قطعاً كان يمكن أن تحسم بالأكثرية ولكن رفض الوطني، وقال لابد من وجود أسس وإذا كان الخلاف أصوليًا أو ليست هناك أغلبية فأي وحدة من غير أسس تكون بلا معنى. ومجرد الدعوة للوحدة شيء جميل لكن يجب أن يكون هناك أساس وكان للشعبي قضيتان اساسيتان على ضوئهما انفصل عن الوطني: قضية الولاة ومجلس الوزراء، وإذا الحزبان لم يستطيعا تنفيذ الشورى فيهما فكيف سيتم تنفيذ ذلك في الآخر؟ وواضح جداً أن دماءً كثيرة أُزهقت في المواجهة. ويرى الساعوري أنه لنجاح هذه المبادرة لابد من عودة المؤسسية في القنوات العامة والخاصة ومن غير ذلك لا أرى نجاحًا لأي شغل سياسي. والمذكرات التي رُفعت مؤخراً كلها تتحدث عن غياب المؤسسية والشورى، ومن غيرها لا وحدة تفيد ولا غيرها. الضغوط أنتجت هذه المبادرة ويقول الدكتور أحمد عبد الله الشيخ المحلل السياسي: محتمل أن يكون هناك قراءات للوطني وأخرى للشعبي وأن المشكلات الأخيرة التي تعرض لها الوطني في المنطقة الجنوبية جعلته يقوم بمراجعة تامة واعادة قراءات وهناك مرحلة جديدة الآن تحاول أن تجد طريقها للساحة وهناك جبهة جديدة اخرى فُتحت للحرب بين الشعبية والوطني في جنوب كردفان، مما جعل الوطني يتجه لهذا الاتجاه بالتوحد مع شقه الآخر الشعبي.وقال إن نجاح أو فشل المبادرة يعتمد على الجدية بين الطرفين ومكانة الذين يقومون بأمرها، وقال: ربما ينجح في هذا الأمر من هو غير متحامل أثناء المفاصلة ولم تصل بهم الحدة أن يتعارضوا في اشياء كبرى بين الطرفين، وغالباً أنها قامت من الصف الثاني لأن الصف الأول في الجانبين مرت بهم المشكلات والمواجهات التي أدت كثيراً إلى ملاسنات وتطور الأمر واعتبر الأمر نتيجة ضغوط من الصف الثاني على الطرفين، وعزا الأمر إلى أن الأشياء والمصاعب التي وردت للبلاد من الخارج هي التي دفعت الأطراف وحفزت الآخرين للمضي قدماً لجمع الصف الوطني داخل الحركة الإسلامية وقطاعيها الكبيرين «المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي» لمواجهة هذا المصير، وأكد أن عوامل نجاحها تعتمد بشكل كبير على مدى فاعلية الذين أطلقوا هذه المبادرة وتأثيرهم على الأوساط. جبل الجليد ويقول بروفيسور صلاح الدومة: إن المؤتمر الوطني أعطى (11) شرطًا للشعبي لكي يتصالح معه، وحسب ما قرأته فإن هذا الأمر كمحلل أولاً المبادرة من الوطني وهو الذي وضع الشروط، وأنا أقول هذا هو أسلوب الوطني مع القضايا ونهجه في التفاوض مع الآخرين، وهذا دليل قاطع على أن الوطني في أسوأ حالاته وفي «زنقة» جبارة وليس في مجال واحد وإنما في كل المجالات، ولذلك بدأ يتخلى عن العنجهية والغطرسة. ثانياً أن الوطني لديه أسلوب المراوغة وغير ما يبطن والآن إذا الشعبي وافق فهو سيتنازل عن كل هذه النقاط ويتنازل تماماً والوطني بحسب ما أعرف أنه أكثر الأحزاب نقضاً للعهود.. دائماً علماء السياسية يقولون إن تداول الأمور السياسية في وسائل الاعلام العُشر فقط وما يدور تحت الأذهان (9) أعشار «مثل جبل الجليد وسط البحر».ويرى أن الوطني قبل أن يطلق هذه المبادرة كانت تجري مفاوضات سرية بينهما ووصلت لدرجة من النجاح لذلك ظهرت على السطح، وكان الوطني دائماً هو الحزب المتعالي في التحاور مع الآخرين، وكون أن مبادرة بهذا الشكل تأتي منه فمعنى ذلك أنه تراجع كثيراً وأؤكد لك أن الأمر منتهٍ وسيوقع الجانبان على الاتفاق ومن ثم الوحدة مع بعض.